الجمعة، 23 نوفمبر 2018

مجلة ملتقى الشعراء والأدباء // عكازان وعابر سبيل// بقلم الاستاذ المبدع وليد ع العايش

- #عكازان #وعابر #سبيل -
      --------------
لم تكن السماء تنوي المطر في تلك الأمسية؛ فإن الغيمة التي صعدت فجأة كانت ماتزال عذراء ؛ بينما القمر يرتدي ثوبه الرمادي دون ربطة عنق؛ حوار مختلف يدور هناك ؛ لم يسمعه أي عابر سوى نسمة مجهولة الاسم .
في عناق مثير ؛ تتقرب وردة حمراء من غصن شوك يقطن بجوارها ؛ سرب العصافير عاد للتو من رحلته اليومية ؛ صوت الناي يبدأ بالهدوء رويدا رويدا ؛ الأغنام تحبذ النوم على السهر ؛ بينما الراعي يضرم النار في عيدان الحطب إيذانا بليلة دافئة.
لم يعد الصباح بعيدا جدا؛ المطر بقي هناك في صومعة السماء ؛ الفجر يصعد الدرج دون أن يستأذن أحدا .
- هل تريدين شيئا يا أم خالد ... سأذهب إلى المرعى ...
- خذ معك معطفك ؛ فيبدو بأن البرد آت يا أبا  خالد ...
- سوف أفعل ؛ هل زوادتي جاهزة ... إنني جائع هذا الصباح ... 
ناولته المرأة - التي مازال النوم يعاند عينيها - زوادة محكمة الربط وكأنها تنوي الهجرة بلا عودة  .
تابعته قليلا قبل أن يختفي مع القطيع خلف الرابية ؛ بدأ يعزف لكنه المعتاد على ثغر الناي ؛ تمايلت الأغنام طربا على وقع صوتها ؛ أخفى الحمار نهيقه للحظات ؛ كان يود الاستماع إلى أنين الناي .
- ما هذه ... أسطوانة قديمة أصابها الصدأ ؛ سوف أخذها معي ؛ فقد نبيعها لبائع النحاس ؛ فرح الراعي بلقيته ... لكنه لم يتم كلماته حتى دوى صوت قوي ؛ اهتز القطيع رعبا ؛ انزلقت الناي من بين شفتيه؛ نهق الحمار ؛ سقط الراعي على أرض حانية ؛ دنا الكلب منه ؛ رائحة غير محببة تنبعث من قدمه اليمنى .
سقطت الجرة من يدي أم خالد ؛ فانكسرت؛ وسال الماء منها على نحو مريب ...
- الله يعطينا خيرك ... قالت المرأة  .
عندما استفاق أبو خالد من نومه القسري شاهد كل شيء ؛ سوى ساقه اليمنى؛ لقد غادرت مع أشياء أخرى ...
- يارب ... أين ساقي ... ماذا حدث لي ... نظر إليه الكلب والدمعة تأخذ موقعها في عينيه ...
- لقد نجوت يا صديقي ... لقد نجوت ... تابع الراعي حديثه .
عابر سبيل يحمل ما تبقى من أبي خالد ؛ الدرب كانت تشي بأمر مريب؛ الغيمة العذراء تتكاتف فجأة؛ الحمار يطأ على شيء آخر ...
- لا بد لك من عكاز يا أبا خالد ؛ وربما تحتاج لأخرى ...  قال الطبيب   .
- حسبنا الله ونعم الوكيل  ...
المرأة تبكي هناك بصمت ؛ الغيمة الماكرة تبدأ ببث مطرها المحموم ؛ الطريق أمست زلقة .
حامت نظرات أبو خالد حول البيت ؛ اعترته دهشة مشتعلة لم تكن حبات المطر قادرة على اطفاءها ...
- أين عابر السبيل ؛ أين الحمار ؛ أين الناي ؛ أين الزوادة ... صرخ الراعي وهو يلوح بعكازيه الاثنتين ...
سكتت السماء ؛ غادرت الغيمة التي فقدت عذريتها ؛ دموع القمر تحضر جلسة الظهيرة ...
------------
وليد.ع.العايش
١٧/١١/٢٠١٨م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق