الخميس، 22 مارس 2018

مجلة ملتقى الشعراء والادباء// حدًار//بقلم المتالق أديب السعدي

حَدَّار
هل تَذْكُرُونَ ذلك الرَّجل الذي كان يأتينا في قرانا يقود حِماره وقد حَمَّلَ عليه وفي خُرْجِهِ بضاعة يحتاجها القرويون لأمور معيشتهم؟ إنَّه الحَدَّار !
كُنَّا نحن الصِّغار نترقَّب حضوره بين الحين والآخرَ بفارغ الصَّبر؛ كيف لا وقد كان في خُرجِه ما لذَّ وطاب مِن أشياء (حكايا) نعشقها كانت هي كل الحلويات التي نعرفها في قرانا مثل الكعكبان والراحة والحلاوة السمسمية والكسبة والملبَّس؟!
كان يصيحُ صائحنا: "إجا الحدَّار! إجا الحدَّار! إجا الحدَّار!" فننطلِق من بيوتنا إلى حيث يكون قد حطَّ رحاله بانتظارنا صِغارا وكبارا؛ فالكل يُريد بُغيته منه! كيف لا ولم تكن في القرية دكاكين، وقد كان يكفينا مؤونة السَّفر المُضني إلى مدينة جنين أو غيرها من المدن!
لم نكن نحن الصِّغار نعرف النُّقود معدنية أو ورقية، فليس هناك مِن شيء نشتريه بها في قرانا، وعندما كنا في المرَّات النادرة نذهب مع أهلينا إلى المدينة، كانوا هم من يشترون لنا. لذلك عندما كان الحدَّار يأتي، كنَّا نحمِلُ إليه قبضات من القمحِ أو الشَّعير أو العدس أو غيرها من الحبوب أو البيض أو حتى أرغفة من خبز الطَّابون.
كان يقدِّر قيمة ما نحمِل، فيعطينا مقابلها من نريد، فنأخذه ونأكله ونحن نَشْعُرُ بأننا امتلكنا سعادة الدُّنيا، فنسرح ونمرَح.
لم يكن الكِّبار وخاصة النِّساء بأقل فرحا مِنا، فهم كانوا يقايضون ما يحتاجون إليه بما أحضروه من بيوتهم، أو أنهم يجعلون الحدَّار يسجِّل ما أخذوه دَيْنًا إلى موسم الحصاد والبيدر. ومن لم يكن يجد مع الحدَّار حاجته، فإنه كان يوصيه أن يُحضِرها له في المرَّة القادمة.
والآن عندما تعود بِيَ الذَّاكرة، أرى كم كُنا نحن الصِّغار بسطاء راضين قانِعين سعداء بذاك القليل الذي كان يأتينا به ذلك الحدَّار، صانع الفَرَح!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق