الأم
يا مَـنْبَعَ الـخَـيْـرِ لـم يَنْضُبْ ولـم يَغُـرِ
يـا رحمةَ اللهِ مُهْـداةً إِلى البَشَـرِ
يا دَعْوَةَ الصِّدْقِ في مِحرابِ ناسِكَـةٍ
لَمّا تَجَلّى عليها اللهُ في السَّحَـرِ
يا بَسْـمَةَ الـفَـجْـرِ جَلّاها الربيعُ على
ثَغْرِ الزّمانِ بَشوشاً غَيْرَ مُعْتَكَرِ
أُمّـاه يـا قـَبَـسـاً فـي جُـنْـحِ داجِـيَـةٍ
لَمّا اكْفَهَرَّ سَوادُ الليلِ في نظري
و يـا مَـلاذاً إذا مـا ســاءَنـي قَـدَرٌ
فَكُنْتِ لي قـَدَراً يُـنْجي مِنَ القَـدَرِ
فـفـي دُعـائِـكِ يـا أُمّـاه لـي فـَـرَجٌ
مِـنْ كُلِّ ضائِقَـةٍ تَـخْتـالُ بِالضَّـرَرِ
فـَكَـمْ دَعَـوْتِ لِأُشْـفى حـيـنـَمـا أَلَــمٌ
يُـلِـمُّ بـي و بِــكِ الأَدْواءُ كَالأُزُرِ
نَسيتِ سُقْمَكِ من سُقْمي ومن مَرَضي
فَـمـا دَعَـوْتِ لِغَيري سـاعـةَ الغِيَـرِ
و كـم أَرِقْـتِ عـلـى هـَـمٍّ يُــؤَرِّقُـنـي
و طال ليلُكِ فـي سُـهْـدٍ وفي سَهـَرِ
و كـم بـكـيـتِ عـلـى دمـعٍ أُذَرِّفُــهُ
و كم جَزِعْتِ لِجُرحٍ غيرِ ذي أَثَـرِ
و كـم سَهِرْتِ مع الحُمّى على وَجَعي
و كم هـجرتِ لَذيذَ النومِ في السُّرُرِ
و كـم قـرأتِ مِـنَ الأذكـارِ بـاكـيــةً
إن غِبْتُ في سَفَرٍ أو عُدْتُ مِنْ سَفَرِ
و كَـمْـكَـمـاتٍ كـثـيـراتٍ يَـضـيـقُ بها
و عـن تَـذَكُّرِها مِثْلي مَـدى عُـمُـري
ضَـجِـرْتُ مـن ذِكْـرِها عَـداًّ بِلا تَعَـبٍ
و أنتِ عـايَـنْـتِـها صَـبْـراً بِلا ضَجَرِ
***********************
الأمُّ سـَـــيِّـدَةً كـانـتْ و إِنْ أَمَــــــةً
هـي العـظيمةُ في سَـمْعٍ وفي بَصَـرِ
فـاحْـرِصْ أُخَيَّ عـلى بِــرٍّ بِـها فَـبِـــهِ
تــنــالُ كُــلَّ الـذي تَــرجـوهُ مِـنْ وَطَــرِ
واخْفِضْ - سَمَوْتَ- جناحَ الذُّلِّ مَرْحَمَةً
تَـكُـنْ عـزيـزاً بِـلا مُـلْـكٍ و لا ظَـفَــرِ
و الْـزَمْ لها قَـدَماً إِنْ رُمْـتَ مَـنْـزِلَــةً
فَـدونَـهـا جَـنَّـةُ المأْوى فَـسِـرْ و طِـــرِ
لا يَـشْـغَـلَـنَّـكَ عـنـهـا مَـسْـلَـكٌ وَعِـرٌ
تُمْضيهِ في العَيْشِ مِـنْ عُسْـرٍ إلى عُسُـرِ
واقْـصِـدْ بـهـا سُـبُلاً لِلـرِّزْقِ طَـيِّـعَـةً
فـفـي رِضاهـا ذُلـولُ المَـسْـلَـكِ الوَعِـرِ
أو تُـلْـهِـيَـنَّـكَ عـنهـا عِـيـشَـةٌ دَعَــةٌ
و لا بُـلَـهْـنِــيَــةٌ تُــرْديـكَ فـي بَـطَـــرِ
أَحْـسِـنْ إلـيـهـا بِـذُلٍّ واتَّـبِـعْ سَــنَـنـاً
وصّـى الإلـهُ بِـهِ فـي مُـحْـكَـمِ السُّـوَرِ
كـم آيـةٍ نَـزَلَـتْ في حُسْـنِ صُـحْـبـَتِهـا
وفـي تَـعَـهُّـدِهـا عَـوْنـاً عـلـى الـكِـبَــرِ
فـلا تُعِـرْها جَـفاءً مِنْكَ فـي عَـرَضٍ
- بَخْـسٍ رَخـيـصٍ - مِـنَ الدُّنيا و مُحْتَقَــرِ
وكُـنْ وَضـيعاً لَـدَيْها تَكْتَسِبْ شَـرَفــاً
فَـقَـدْ يُـنـالُ شُـمـوخُ العِـزِّ بِـالـصَّـغَــرِ
فَـفـي الـتَّـواضُعِ عِـنْـدَ الأُمِّ مَـرْتَبَــةٌ
عَـزَّتْ عـلى جـاحِـدٍ - في حَـقِّهـا- أَشِــرِ
إِيّـاكَ تَـنْهَـرُهـا فـي مَـوْقِـفٍ سَــمِـجٍ
و لا تُـجِـبْـهـا بِـأُفٍ بَــلْ و لا تُــشِــرِ
و نَـلْ رِضـاهـا تَـنَـلْ دُنـيـا و آخِــرَةً
فَـفـي رِضـاهـا رِضـاءُ الـلهِ فَـادَّكِـــرِ
فـَأُمُّـكَ الـصَّـدْرُ مِـنْ عَـطْفٍ بِـطـانَتُـهُ
و قُــدَّ ظـاهـرُهُ – لِلـذَّوْدِ – مِـنْ حَـجَـــرِ
فَـهْـيَ الـحَـنـونَـةُ إذ تـَحْـبـوكَ رِقَّـتَـهـا
و هْـيَ المِـظَـلَّـةُ إذ تَـحْـمـيـكَ مِنْ شَـــرَرِ
تَـجـوعُ أُمُّـكَ إذْ تُـعْـطـيـكَ لُـقْـمَـتَهـا
كي لا تـجـوعَ وكي تَـقْـوى عـلى ضَـوَرِ
تـنـام عَـيْنُـكَ رُغْـمَ الـدّاءِ مِـنْ نَـعَــسٍ
و عَـيْـنُ أُمِّـكَ لـم تَـغْـمُـضْ و لـم تَخُـرِ
وكـم تنامُ وتُـرْبُ الأَرْضِ مَـفْـرِشُــهـا
وكـم يَـحُـزُّ الحَـصى فـي خَـدِّهـا العَـفِــرِ
ولَيْسَ تَشْكو- وكَمْ عانَتْ - وما أَسِفَتْ
لَـطـالَـمـا كُـنْـتَ فـي وَثْـرٍ وفـي يَـسَـرِ
عَـلَـيْـكَ طاعَـتَها تَـحْـظى بِـكُلِّ رِضـاً
فَـشَـمِّـرِ الـسّـاقَ في جَـزْرٍ وفي غَـمَــرِ
و لا تَـعُــقَّـنَّـهــا فـي غَـيْـرِ مَـعْـصِيَـةٍ
ذَنْـبُ الـعُــقـوقِ كـبـيـرٌ غَـيْـرُ مُـغْـتَـفَــرِ
************************
يا أُمُّ واسْـتَـبَـقَ الحَـرْفانِ في شَـفَـتَــــ
ـــيَّ يَسْـكُـبـانِ حَــنـانَ الأمِّ فـي ثَـغَـري
و ضَـمَّـةُ الـمـيـمِ في نُـطْقي تُـذَكِّرُنـي
بِــضَــمَّــةِ الأمِ فـي نَـشْــوى مِـنَ السَّــكَـرِ
يا ضَـمَّـةَ الأمِّ فـي تَـحْـنـانِـهـا عَـبَــقٌ
كَـالـمِـسْـكِ مُـنْـتَـشِـرٌمِنْ حُضْـنِـهـا العَـطِـرِ
اللهُ يَـرْضى إذا مـا الأُمُّ قَـدْ رَضِـيَـتْ
ولـيـس يَرْضى - إذا عُقّتْ - عنِ الـبَـشَــرِ
م . نواف محمود عبد العزيز
أبو عبادة