السيميولوجيا في شعر ابومهدي صالح
سيميائية اليد والعنوان
بقلم : أحمد العربي - المغرب
ليس من الضروري الخوض ، في تاريخ السيميولوجيا او السيمياء ، لكن ما ادهشني هذا الشاعر الغريب الذي يتبع حسه المرهف ويصيغ الدلالة الى صور متعددة ويضع السيميائية من بداية العنوان كوسم واشارة الى اكثر من معنى الى الابيات التي ترسم نفسها بالكمال وكأنها مستقلة وتضع اشارات رابطة بصور سيميائية فيما بينها ، كما في قصيدته ( اليتيم ) التي استخدم كلمة البسط بدلالة صورة الفتح اوالاستقبال وبدلالة اعمق ذات صورة باسط يده رمزا ان ماجاء به هو ما اخذه المجتمع منه وخاصة ان الايتام الاكثر اليوم هم من الحروب بشتى انواعها دخل فيها والد اليتيم ام لم يدخل :
إنــي رأيـــتُ اليــتــيمَ باســـطٌ يـــــدهُ
فـيها رســوم الحــياةِ خـطّـهـا التعــبُ
لعل كلمة رسوم والخط مختلفان ، فكما تشاهدون ان في البيت كل كلمة يضع فيها سيميائية وكانها صور متعددة للقاريء الذي يتعلق بالكلمة وهذا شيء اخر يعطيه الشاعر في قصائده انه يتجه باشارتين للبيت الاولى لمن يتمتع بعمق الكلمة ويتذوق بمعانيها والاخر بالسطحي الذي يرى الموضوع ويعطيه فكرة وخاصة ان العمق احيانا يعان في الصورة التي ينتقيها كما في قصيدته ( المنحر) التي اذا لم تعرف ان القصيدة شيدت كبناء ورمز للطفولة التي اغتالها الفكر المتطرف ، حين يرى جماعة ارهابية باسم الدين تذبح طفلا وتستلذ به فيخلق صورة ايمائية ان كل اطفالكم اليوم قدنحروا :
مـــــدَّ اليــــــدينِ علـى رجـــاء منـحــــــرهِ
ســـكّينهم لا يــرى إلّا مــدى الـمنحــــــرِ
ياصــغر قـلـبــك يافــــــتى على الـذَّبِـــــحِ
وما الرجــــاء بهم يجــدي على الخــنجـــرِ
نفسها اليد هي ذاتها باليتيم لتعطي اشارة الى انه يتيم كل الناس ويتيم ابويه ويتيم كلمة الحق التي ضاعت بزحمة من يدفع الدولارات لهؤلاء كي يذبحوا واطفالهم تنام على الرياش صورة سيميائية تعطي ان من دفع خسر لان الصورة ستتكرر والموت ورقة صفراء في وجه اطفال الجميع من دون استثناء، لهذا قال سكينهم الذي خرجت منه السكينة وبعدت والطفل يترجى الا ان بعد الرجاء لا يتعدى طول هذه السكينة ، التي كما يراها شخص يرى انها اشارة الى ان الحكام عقلهم وفكرهم هو بطول هذا السكين وهي حديد خالية من كل المشاعر ، اليد هي التي تحملها وهي جزء منها وهي طرفان نقيضان بين الحياة والموت والتي ترسل اشارة الحياة هي نفسها اليد التي نراها في قصيدته (( إني عراقٌ)):
إِنِّي عِــرَاقٌ لِـمَنْ يَهْوَىٰ مُصَافَحَتِـي
فَالحُــبُّ قَلْبِي وَعَقْلِي لِلهَوَى أَبْعَــــدُ
مَـنْ مَــدَّ يَــدَّ السَّلامِ كَيْ يُسَالِـمَنِي
رُوْحِــيْ لَقَــدْ مَـدَدَتْ عِنَاقُهُ الأسْــعَدُ
صورة واضحة هنا لرسم اليد التي هي خالية من الزوغ ( الهوى) ومليئة بالحب والحنان ، ولهذا قال باشارة سيميائية : إني عراق وهو لايتكلم عن نفسه بل عن بلده وهي اشارة الى عمق التاريخ الذي يحتضنه والعمق الآخر للمستقبل الذي سيرسم ان العراق في النهاية سيقود العالم حسب معطيات الحب والسلام والعفو الذي يحمله، هذا التصافح يفرز لنا يد أخرى لطفلة تذهب الى المدرسة وتتفاجأ بارهاب عالي جدا ، ارهاب يقذف الحمم من السماء فتموت الطفلة وهي تمسك حقيبتها مستخدم الامساك اشارة الى اليد :
تـمسّـــــكـت بحـقـيـبـةٍ بهــا عـلـــمـــاً
لـقــد تلـفّــتْ ذراعُــــهـا علــى زبــــنِ
فيـها محاجــرُ عـيـنـها على وجـــــــلٍ
حين الكـلاب على الفضاء بالســـــفنِ
ومستخدما الذراع للبعد الزمني الذي جعل الكلاب يبحرون بالسماء وهو تشبيه رائع الذي اختص به الشاعر والذي يسمى بالتشبيه المترادف ليضعه في سيميائية جديدة بين يد تقصف لكنها مختلفة لها مخالب ، ويد تمسك الحقيبة وذراع تتلفت تريد ان ترى هل من مستيغيث ؟ ولعل هذا التلفت ايذانا بانهيار العرب الذي وصفهم في قصيدة اليتيم:
ياأيـــها الكَـــفُّ ضُــمْ بحرنا على يتــمٍ
فالبــرُّ مملــوءُ جــــوعٍ خــيــرهُ القــشبُ
أحــفـادُ قـحـطانَ قد مالــوا الى القحطِ
أحـفــاد عــدنان قـد جاعــوا بما ذهـبـوا
لازاد مـن مالــهـم والشـــــحّ بانفســـهم
ولازال عـنـهم غُــنى والجــوعُ ما طربــوا
هـيهـات يا أنــت أو ياأيـــهـا الـعـــربي
تصــيرُ فــخـــرٌ وانــت عـشّــــها جـــربُ
شــــممّنا الــعار فـي دياركـــم ســـلـفـاً
واليــوم لا تـخــتــلــف الريــحُ ماتـهـــبُ
قــد طـــال فــي هـٰـكذا حـكّامـنا زمـــناً
جــاء الـزمــان عليها حاســـرٌ صــعـــبُ
ياايــها البـحــر في طـغـيانـك الشـــغبُ
ضـــمُّ اليـتـيم علــى ظـهر الهوى سـغبُ
وصف دقيق ان اولاد قحطان اصابهم القحط واولاد عدنان الشح وكلاهما مانفع وان كانت ايديهم مملوءة بالذهب الا انه عش الجرب وديار التعب والنصب ، هذه العروبة المنهارة التي حاول ان يختم بها قصيدته الرائعة ( ايها العربي):
عَاشَ الفَقِيْرُ عَلى قَهْرٍ وَقَهْرُهُ مِـنْ:
يَحْيَــىٰ أمِيـرُ البِــلادِ عَـاشَ مُغْــتَـنـِــمُ
مَتَـىٰ قلُوْبُكُـــمُ تَضْحَــىٰ بِـوَاعِـيَةٍ
فَوَعْـيَكُـــــــمْ فِي هَــــدْمِ ذلـك الصَّــــنَمُ
اِنْهَضْ وَقُمْ وَاسْتَقِمْ يَا أَيُّهاالعَرَبِي
فَاللهُ مَـنْ قَالَ : دَيْنِـــي فِـيـك يَسْـــــتَقِمُ
تمجيد الامير التي راحت تعطي عدة صور سيميائية منها الملك والرئاسة والانا التي يفتخر بها العربي بكل شيء بدأ من لاشيء وتلوح حتى بافق العلماء الربانيون الذين يجب ان تكون من سماتهم تحطيم تلك الانا الا ان الشاعر يراها بوضوح عندهم ، وهذا مما جعله يعطي لليد اشارات اخرى بكلمات مختلفة كماهي كلمة تدفع في قصيدة ( مشاعل) التي اثارت جدلا سيميائيّ في عنوانها هل يقصد مشاعل بما فعلته من خطأ وعار اتجاه عائلتها ام بما كانت ضحية اعمال القصر الملكي :
مشـاعلٌ قد تـرى مشـاعلاً فـــــرحُ
وحــزنها فـي عـيونها بمـا يــنـبـعُ
لقد تكلم عنها اكثر من باحث لان الشاعر وصل الى مرحلة الاشارة الواضحة الى العميقة التي تحتاج الى دراسة واعية وخاصة انه دافع عن شرف العراقيات وقد استخدم بدل اليد عناصر عدة منها الكتابة والقلم والطباعة وكلمة تدفع التي استخدمت ببراعة تعبيرا عن اليد كجارحة بعكس الكلمات التي وردت فالكتابة لاتحتاج لجهد لمعرفة سيميائية اليد بل انها واضحة وكذلك الطباعة والقلم والخط اما تدفع التي اشار اليها فقد خلقت ضبابية حول المفردة اادفع بالسلاح وهي امرأة لايمكن ليدها ان تحمله ام الدفع بالكتابة وهي محاطة بالحرس ام الدفع بالدموع وهي الضعف والقصة تبين انها لم تستسلم فاعطى رؤية انها الدفع بالقلم من خلال فعلها حتى يكتب عن مشاعل الكتاب والشعراء والصحفيون .. لقد اجاد الشاعر ايما ايجاد بقصيدته مشاعل ولعل المرأة كعنوان قصائد كثر عنده ( خالدة ) و ( ماري) و( اطوار بهجت) و ( اشواق ابراهيم) كلها قصائد تعطي ايماءات واشارات لكل الانسانية فربط خالدة التي احترقت بالتفجير في سيارتها التي خرجت منها وعندما احترقت ثيابها رجعت حياءا للسيارة المحترقة فتكون شهيدة الشرف والحياة ورمزا حرا للمرأة ، البطولة التي قدمتها اشواق ابراهيم المعلمة التي رفضت بالموصل ان تدرس منهج الوحشية لداعش حتى الاعدام بل قاومت وطلبت من ابناء الموصل بعدم ارسال ابنائهم الى المدارس رمزا هي اشواق واسم سيميائي لكل النساء تتحدث وكأن الخنساء بل فدت نفسها ، وكذلك اطوار بهجت تلك الصحفية التي رغم الصعوبات تخطت المذهبية ولم تهتم بها ، وماري التي كتبنا عنها وقدنشرت في بعض الصحف التي ترمز للانسانية وقهر الانسان للانسان ، كلها صور سيميائية عند الشاعر استلهما من الواقع لترجع كي تصحح الواقع وهنا اقول ان الشاعر ابو مهدي صالح الشاعر الوحيد الذي وظف السيميائية بصورة صحيحة وجعلها هدف سامي لان علم السيميولوجيا هو علم دلالة من الواقع بعدة صور ليرجع يصحح الواقع بعدة صور كما رسمه الشاعر ابومهدي صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق