الاثنين، 27 ديسمبر 2021

مجلة ملتقى الشعراء والأدباء ✍️...الورقة الأخيرة... بقلم الأستاذة المتالقة والمبدعة السيدة الغالية روزيت عفيف حدّاد

الورقة الأخيرة.
روزيت عفيف حدّاد. سوريا 
اليوم صباحاً، انتزعتُ الورقة الأخيرة من الروزنامة، أخذتُها وجلستُ. اليوم ولأكثر من سبعين مرّة، تمرّ هذه الورقة في حياتي. في الربع الأوّل كنتُ سعيدة بين أهلي، وبعد ذلك بدأتُ العدّ التنازليّ، العدّ التنازليّ الّذي التهم ثلاثة أرباع عمري، مذ تنازل أهلي عنّي، في مثل هذا اليوم، لذاك العجوز الّذي تسلّى بي أكثر من عشرين سنة. بعدها حاولتُ أن أعيشَ لكنّ الحياة كانت تهرب منّي، ركضتُ خلفها، ناديتها، بكيت؛ لم تلتفتْ لي، كان جمالي الواضح نكبة عليّ. دون مؤهل علمي أو مهنيّ خضت أعمالاً عديدة وبسيطة لكنّي ما لبثت أن هربتُ منها حاملة نقائي.
هكذا مرّت الأيّام دون ذكرى جميلة وأنا مصرّة في كل يوم منها على التفاؤل فأسألُ نفسي: " لمَ لا أحيا وفي قلبي وفي عيني الحياة، سوف أحيا...."
صباحاً، أفتح الباب، أخرج إلى الفناء، أشرب قهوتي على صوتِ عصفورٍ صادقني، يحطّ على غصن قريب ويغرّد لي.
أقصد الجارات، أقدّم مساعدتي لمن تحتاجها وهي تجبر خاطري.
هناك التقيتُه صدفة، تسارعت دقّات قلبي، نظراتٌ خجلى تتقاطع هاربةً من عيوننا. تكرّرت الصّدف حتّى صارت شبه مقصودة، لم أدرِ كيف ومتى صرتُ أجمل، كيف انعكس ظلّ الورد على شفاهي ولون التفّاح على خدودي، كيف لمعتْ عيناي وانسدل شعري وكيف أشرقتِ الشّمسُ من جبينه.
تزوّجنا، كانت حينها الورقة الأخيرة من ذاك العام، فرحتُ لكنّ عمر السّعادة كان قصيراً؛ بعد سنوات خمس، انتهى، إثر حادث أليم، في مثل اليوم الّذي وُلدتْ فيه.
عدتُ إلى سيرتي الأولى. 
نهضت متثاقلة أتكتكُ من البرد، اتّجهتُ إلى الباب، من يقصدُني في هذا الوقت؟
- من الطارق؟
- أنا، حياة،، جارتُك. لمَ لم تأتِ إلينا اليوم؟ قلقتُ عليك واشتاقَ لك الأولاد.
- أهلاً بك.
- أنت بمثابة أمّي، انتظرتُك كثيراً وأبنائي يريدون جدّتهم الّتي استغنت عنهم!
- لا، لم أستغنِ عنهم، لكنّكم اليوم تحتفلون في جوّ عائلي. 
- لا يكتمل الجوّ العائلي دونك ودون لمساتك الجميلة في كلّ شيء. لقد جهّزت لك غرفةً لتقيمي معنا. يبدو أنّك على عجلة، لقد انتزعتِ الورقتين الأخيرتين من هذا العام، مازال لدينا الوقت. غداً، سننزع معاً، في بيتنا المشترك، الورقة الأخيرة، ونستقبل السنة الجديدة.
روزيت عفيف حدّاد
سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق