الشاعر الفارس عروة بن الورد
أحترف الصعلكة سبيلالإقامةالعدالةالاجتماعية
الحلقة الرابعة
لقد قبح عروة بن الورد صورة الصعلوك المتقاعس عن الأغارة,وكان يرى أن أسوأ طوائف الصعاليك هم أولئك الذين يقضون حياتهم في خمول وهوان وتخاذل وقعود عن طلب الغنى,وخدمة لنساء الحي المترفات
لحى الله صعلوكا اذا جن ليله
مصافي المشاش ألفا كل مجزر
يعد الغنى من نفسه كل ليلة
أصاب قراها من صديق ميسر
ينام عشاء ثم يصبح طاويا
يحث الحصى عن جنبه المتعفر
قليل التماس الزاد إلا لنفسه
اذا هو أمسى كالعريش المجور
يعين نساء الحي مايستعنه
فيمسي طليحا كالبعير المحسر
يقول أبو فرج الأصفهاني:كان إذا أصابت الناس الشدة
يحفر لهم الاسراب(الانفاق)ويكنف عليهم الكنف(أي يقوم بتغطيتها لحمايتهم)ومن قوي منهم,إما مريض يبرأ من مرضه,أو ضعيف تثوب قوته,خرج به معه فأغار,وجعل لأصحابه الباقين في ذلك نصيبا حتى أذا أخصب الناس والينوا,وذهبت السنة (الشدة والقحط)الحق كل إنسان بأهله,وقسم له نصيبه من غنيمته,أن كانوا غنموها,فربما أتى الإنسان منهم أهله وقد استغنى.
ألا أن أصحاب الكنيف وجدتهم
كما الناس لما اخصبوا وتمولوا
وأني لمدفوع الي ولاؤهم
بماوان أذ نمشي وأذ نتململ
وأني وإياهم كذي الأم أرهنت
له ماء عينيها تفدي وتحمل
وبهذا يقول معاوية بن ابي سفيان:لو كان لعروة بن الورد ولد لأحببت أن أتزوج إليهم.
لم يكن عروة صعلوكا عاديا,وانما صعلوكا ثائرا على أعراف السيادة التي تفرض تغلب القوي على الضعيف,وبما أن القبيلة تقيده بالتقاليد والأحكام
العشائرية التي ارتسمت في أذهان ألناس زمانا حتى صارت دينا أو فكرا مقدسا,فقد تحلل من عباءة القبيلة بعد أن تفتحت عيناه في الحياة على صورة مختلة التوازن في صورها,صورة المعاملة السيئة التي كان يلقاها وأمه الغريبة( فهي من نهد,من فضاعة) من أبيه وزوجه, أم طلق,والصورة التي شاهدها بعد ذلك في المجتمع الذي يعيش فيه في مجال أوسع
هم عيروني أن امي غريبة
وهل في كريم ماجد مايعير؟
وقد عيروني المال حين جمعته
عيروني الفقر أذ انا مقتر
فهو حامل في داخله شعورا فطريا نقيا جعله يشعر بآلام الآخرين,ما كان ليستطيع تحمل ذلك الجور والكم الهائل من التناقضات التي زخر بها المجتمع الجاهلي,فقد كان غيريا بكل ماتحمله الكلمة من معنى,كارها الفقر بأعتباره عائقا أمامه في إشباع شهوة نفسه في إكرام الجياع.
فللموت خير للفتى من حياته
فقيرا ومن مولى تدب عقاربه
وسائله أين الرحيل وسائل
ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه
مذاهبه أن الفجاج عريضة
اذا ضنك عنه بالفعال أقاربه
وهكذا بدأت براعم فلسفته الأجتماعية وألأقتصادية تتضح في هذه المشكلة الخطرة,
مشكلة الفقر والغنى,معبرا عنها في شعره الذي تميز عن شعر باقي الصعاليك بأسلوبه الممتاز,الذي
يستمد امتيازه من عنصرين أساسيين,هما السخرية والبساطة,السخرية من ذلك المجتمع العجيب الذي يحتقر الفقير لا لشيء إلا لأنه فقير,ويقدر الغني لا
لشيء إلا لأنه غني,والذي لايهتم بغير المظاهر المادية,أما جوهر النفس الكامن خلف هذه المظاهر
فأمر وراء أهتمامه,ثم البساطة التي تلمسها في عرضه لمعانيه,ذلك العرض السهل الذي لايقبل معارضة أو يثير جدلا,والذي ينفذ إلى النفس من أقرب السبل,فهو صرخة مدوية في وجه القبيلة
في عرض يصح أن نطلق عليه(عرضا شعبيا)لدقة الفاضه وما تحمله حروفها من موسيقى صوتية توحي بأجواء المعاني التي تجيش في نفسه.
فقد برع في استخدام الحوار والنقاش بالأمثلة ليدلل على آراءه في القصيدة,ويكشف لنا عن هواجس اعتملت في نفسه وعرفت تعريفا يستوفي
بهوية الصعلوك,فكانت قصائده شهادة تأريخية واجتماعية عن تلك الظاهرة الفريدة...
ظاهرة الصعلكة,كحركة احتجاج اجتماعية واقتصادية,و وجهها لخدمة أغراض عادلة للجماعات المضطهدة,بعيدا عن هدف الغزو لغرض
التفوق وزيادة الثروة.
حتى أصبح شعره نبراسا يهدي به قومه أو يأتمون به,على حد تعبير الشاعر الحطيئة في حديثه مع الخليفة عمر بن الخطاب(رض)عندما سأله:كيف كنتم في حربكم؟
فأجابه:كان فينا قيس بن زهير,وكان حازم وكنا لانعصيه,وكنا نقدم أقدام عنترة,ونأتم بشعر عروة بن الورد,وننقاد لرأي الربيع بن زياد.
كان عروة يمثل شخصية الصعلوك صاحب المذهب
الإنساني,الداعية والزعيم الشعبي الذي يحرص على أستمالة الفقراء أليه والإيمان بمذهبه بأسلوب شعبي,حتى لنسمع أن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب(رض)ومن حرص الأب على استقرار الأبناء وقربهم من الأهل يطلب من معلم أولاده إلا يريهم هذه ألقصيدة
دعيني للغنى أسعى فأني
رأيت ألناس شرهم الفقير
وابعدهم واهونهم عليهم
وإن أمسى له حسب وخير
ويقصيه الندي وتزدريه
حليلته,ويقهره الصغير
ويلقى ذو الغنى وله جلال
يكاد فؤاد صاحبه يطير
قليل ذنبه والذنب جم
ولكن للغنى رب غفور
ويقول له إن هذا يدعو إلى الاغتراب عن الأوطان.
لقد كان للصعلكة معه طعم خاص,فهو صعلوك شريف ومقداما,أستطاع أن ينقلها من مفهومهاالهمجي
ويصل بها إلى معنى المروءة والسعادة والأحساس بالآخرين,منحيا بها منحى آخر ليوفر فرص العيش للجميع,وبذلك فإن دافعه للصعلكة إنسانيا,واضعا أسس الإشتراكية في حركته,يغزو بهم ولهم,
ولايؤثر نفسه عليهم,الكل لهم حظ فيما غزا,سواء شاركوا في الغزو أم لم يشاركوا,جاعلا للصعاليك مكانة في المجتمع الجاهلي عندما قام بتنظيم
حركتهم من شتى القبائل وحمايتهم من سادة القبائل,محاولا تضييق الفجوة بين طبقتي الاغنياء والفقراء.................................................يتبع
الاثنين، 3 أبريل 2017
مجلة ملتقى الشعراءو الادباء// الشاعر الفارس عروة بن الورد (( ح 4))// بقلم الدكتور محمد الراوي
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق