الأربعاء، 17 يونيو 2020

مجلة ملتقى الشعراءوالأدباء....معجزة....بقلم المتألق والمبدع الأستاذ أحمد جيجان

معجزة

توجّهت الطفلة ذات السادسة إلى غرفة نومها ، و تناولت حصالة نقودها من مخبئها السري في خزانتها ، ثم أفرغتها مما فيها على الأرض ، و أخذت تعدّ بعناية ما جمعته من نقود خلال الأسابيع الفائتة ، ثم أعادت عدَّها ثانية فثالثة ، ثم همست في سرها :
“إنها بالتأكيد كافيةٌ ، و لا مجال لأي خطأ” ؛
و بكل عنايةٍ أرجعتِ النقودَ إلى الحصالة ثم لبست رداءها ، و تسلّلت من الباب الخلفي ، متجهة إلى الصيدلية التي لا تبعد كثيراً عن دارها .

كان الصيدلاني مشغولاً للغاية ، فانتظرته صابرةً ، و لكنه استمر منشغلاً عنها ، فحاولت لفت نظره دون جدوى ، فما كان منها بعد أن يئست إلا أن أخرجت قطعة نقود معدنية من الحصالة ، و ألقتها فوق زجاج الطاولة التي يقف وراءها الصيدلاني ؛ عندئذ فقط انتبه إليها ، فسألها بصوت عبَّر فيه عن استيائه : 
ماذا تريدين أيتها الطفلة ؟ إنني أتكلم مع شقيقي القادم من مدينة بعيدة ، و الذي لم أَرَهُ منذ زمن طويل .. 
فأجابته بحدّةٍ ، مظهرةً بدورها انزعاجها من سلوكه :
شقيقي الصغير مريض جداً و بحاجة لدواء اسمه / معجزة / ، و أريد أن أشتري له هذا الدواء.

أجابها الصيدلاني بشيء من الدهشة : عفواً، ماذا قلتِ ؟
فاستأنفت كلامها قائلةً بكل جدية: شقيقي الصغير ، يشكو من مشكلة في غاية السوء ، يقول والدي أن هناك وَرَمٌ في رأسه ، لا تنقذه منه سوى معجزة ، هل فهمتني ؟؟؟ فكم هو ثمن /معجزة/ ؟ أرجوك أفدني حالا !
أجابها الصيدلاني ، مغيِّراً لهجته إلى أسلوب أكثر نعومة : أنا آسف، فأنا لا أبيع /معجزة/ في صيدليتي !”
أجابته الطفلة ملحَّة: إسمعني ِجيداً، فأنا معي ما يكفي من النقود لشراء الدواء، فقط قل لي كم هو الثمن ! “
كان شقيق الصيدلاني يصغي للحديث، فتقدم من الطفلة سائلا: ما هو نوع /معجزة/ التي يحتاجها شقيقك الصغير ؟ “

“أجابته الفتاة بعينين مغرورقتين: لا أدري ، و لكن كل ما أعرفه أن شقيقي ، حقيقةً ، مريضٌ جداً ،
قالت أمي أنه بحاجة إلى عملية جراحية، و لكن أبي أجابها، أنه لا يملك نقودا تغطي هذه العملية، لذا قررت أن أستخدم نقودي !.
سألها شقيق الصيدلاني مبدياً اهتمامه: كم لديك من النقود يا صغيرة ؟ “
فأجابته مزهوة : هذا ما أملكهُ الآن ، و يمكنني أن أجمع المزيد إذا احتجتَ !..”
أجابها مبتسماً : يا لها من مصادفة  ( و قام بِعَدِّ القطع المعدنية التي ناولتهُ إياها )  هي بالضبط المبلغ المطلوب ثمنا ل (معجزة ) من أجل شقيقك الصغير . 
ثم تناول منها المبلغ بيد و باليد الأخرى أمسك يدها الصغيرة، طالباً منها أن تقودَهُ إلى دراها ليقابل والديها، وقال لها :
أريد رؤية شقيقكِ أيضا .

لقد كان ذلك الرجل طبيباً  
 و جراح أعصابٍ معروف  .
وقد قام الطبيب الجرّاح بإجراء العملية للطفل الصغير مجاناً، و كانت عمليةً ناجحةً تعافى بعدها الصغيرُ  تماما ..

بعد بضعة أيام، جلس الوالدان يتحدثان عن تسلسل الأحداث منذ التعرف على الطبيب و حتى نجاح العملية  و عَوْدَةُ الصغير إلى حالته الطبيعية . 
كانا يتحدثان و قد غمرتهما السعادة ، و قالت الوالدة في سياق الحديث : ” حقاً إنها معجزة ! “ . ثم تساءلت : ” ترى كم كانت كلفةُ هذه العملية ؟”

رسمت الطفلة على شفتيها ابتسامة عريضة، فهي وحدها تعلمُ أن /معجزة/ كلّفتها ما كان في حصّالتِها من نقود  .
-------
أحمد جيجان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق