الأربعاء، 3 يونيو 2020

صحيفة ‏مجلةملتقى ‏الشعراء ‏والأدباء.....وأضربوهن.....بقلم المتألق والمبدع الدكتور ‏المستشار ‏محمد ‏الراوي

((وأضربوهن))
                   "ليس أولئك بخياركم"
أهتم الأسلام بالأسرة أهتماما شديدا،فهي اللبنة الأولى والخلية الصالحة في بناء المجتمع السليم،ووضع الأسس المتينة التي تحافظ عليها
بعيدا عن التفكك وكل ما يؤدي اليه...
والأسرة في الإسلام لاتبنى على المصلحة فقط،
بل على المصلحة والأخلاق...تبنى على المحبة والرحمة...على الإخلاص والوفاء والاحترام المتبادل،وكلما تماسكت الأسرة تماسك المجتمع،
وكلما نجحت قدمت للمجتمع عناصر طيبة تسهم
في بناءه(ومن آياته إن خلق لكم من أنفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة)
كل من الزوجين يكمل نقصه بالآخر.
المودة سلوك يعبر به عن الحب،ان تملأ الزوجة عين زوجها ملبية حاجاته وطموحه،وان يملأ الزوج عين زوجته ملبيا حاجياتها وطموحها. 
وتبرز الرحمة بأجمل صورها عندما يفقد أحدهما
احد أركان طموح الآخر(المرض،الفقر،الشيخوخة.
....الخ).
إن هذه المؤسسة(الزواج) مقدسة،وجدت لتبقى،وأن عقد الزواج من اقدس العقود التي شرعها الله على الاطلاق،فهو عقد متعلق بشكل مباشر بحرمة الفروج واستحلالها،يقلب علاقة المتعاقدين من الحرمة إلى الحل فور اتمامه.
وقد وضع القرآن نظام تدابير احترازية قبل وقوع اي مشكلة،ومن تلك المشاكل النشوز.
والنشوز مصطلح أسلامي يعني امتناع المرأة او 
الرجل عن أداء حق الأخر،أو إساءة العشرة.
وقد وردت كلمة نشوز مرتين في القرأن الكربم
الاولى_نشوز الزوج(وان امرأة خافت من بعلها نشوزا أو اعراضا فلا جناح عليهما إن يصلحا بينهما صلحا والصلح خير...)التخيير بين الفراق او الإقامة مع إسقاط حقها او بعضه،يقول الطبري:هي المرأة تكون عند الرجل حتى تكبر، فيريد إن يتزوج عليها،فيتصالحان بينهما صلحا، على أن لها يوما ولهذه يومان او ثلاثة.
كما فعلت سودة بنت رفعة حين تركت يومها لعائشة عندما أحست إن حظها في قلب الرسول (ص)هو الرحمة وليس الحب.
الثانية_نشوز الزوجة.قال إبن قدامة:بمعنى معصية الزوج فيما فرض آلله عليها من طاعته، مأخوذ من النشز وهو الارتفاع،فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله عليها من طاعته.
(واللاتي تخافون نشوزهن فعضوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليأ كبير)
كل بيت او أسرة دائما ما تحصل بين الزوجين مشاكل،وقد تكون لأتفه الأسباب،ولكن قد يتطور الأمر بسرعة ويتحول إلى جفاء بينهما.
القرآن يتألق في اختيار ألفاظه ويضعها في الموضع الذي تؤدي فيه معناها بدقة،فكل كلمة فيه لها دلائل ومعنى وقصد واضح في التعبير،
بحيث لا يصلح فيه سواها،لذلك لا تجد في القرأن ترادفا،بل كل كلمة تحمل معنى جديدا،
فمثلا كلمة(تحسونهم)في قوله تعالى(ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بأذنه)فهي ليست من الإحساس كما يتبادر،بل من الحَسْ
وهو القتل.
و(يصدون)في قوله تعالى(ولما ضرب ابن مريم مثلا اذا قومك منه يصدون)اي يضحكون ويضجون لما ظنوه تناقضا.
و(العفو)في قوله تعالى(ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)نقيض الجهد،ما يزيد عن حاجتك"ألا تجهد مالك ثم تقعد تسأل الناس"
وهكذا كلمة(ضرب)ومشتقاتها.لقد تكررت في القرآن(٥٨)مرة في(٥٤)آية،في(٢٩)سورة،جاءت في معان متعددة،في غالبيتها تعني المفارقة والمباعدة والانفصال والتجاهل وضرب الامثلة،
بأستثناء آيتين كان الضرب فيهما يعني الالم الجسدي
الاولى_ضرب سيدنا أيوب زوجته(وخذ بيدك ضغثا فأضرب به ولاتحنث)لأنه قد أقسم إن يجلد زوجته مئة جلده،فأوحى الله اليه ان يأخذ بيده ضغثا ويضرب به ضربة واحدة فتبر يمينه،وهذا رفق في أعظم صوره."ولم يكن بالضرورة شمراخ النخيل،بل يمكن أن يكون قبضة مجموعة من حشيش او ريحان،فهو كل ماجمع وقبض عليه بجميع الكف يختلط فيها الرطب باليابس،وبه شبهت الأحلام المختلطة التي لا تتبين حقائقها،وفي التنزيل (قالوا أضغاث احلام)اي رؤياك أخلاط أحلام ليست برؤية بينة"
الثانية_ضرب الملائكة وجوه وادبار الكفار لحظة موتهم يوم بدر(ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وادبارهم وذوقوا عذاب الحريق)
اما المعاني الاخرى،فهي:
الاول_ضرب المثل،وردت(٣١)مرة
(وأضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون)يس١٣
الثاني_السفر(المشي)وردت(٦)مرات
(ان انتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت)المائدة١٠٦
الثالث_التغطية والحجب(الستر)وردت(٤)مرات
(وليضربن بخمورهن على جيوبهن)النور٣١
الرابع_الفرض والتثبيت،وردت(٤)مرات
(وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة)أل عمران١١٢
الخامس_توقيع ضرر أو الإتيان بمنفعة،وردت 
(١٣)مرة
واضربوامنهم كل بنان)الانفال١٢
فهل الضرب في الآية التي نحن بصددها لأحداث ضرر_بمعنى أيذاء المرأة جسديا باللطم 
او غيره،ام لحدوث منفعة؟
لاشك انه لأحداث منفعة،لأن الغرض منه الحفاظ على الأسرة من التفكك.
لقد جعل الله علاج النشوز بالتدرج،عقوبات تواترية تصاعدية،البداية ان تكون بالوعظ (فعظوهن) الكلام الحسن والنصح والارشاد، فإن لم يستجبن(واهجروهن في المضاجع)يكون الهجر في الفراش،ورغم كونهما في فراش واحد لكنه لايكلمها ولايحدثها ولايباشرها،وهي طريقة العلاج الثانية،ولها دلالاتها النفسية والتربوية على المرأة...
واذا لم يستجبن(واضربوهن)اي مفارقة ومباعدة،ابتعدوا عنهن،اترك لها بيت الزوجية واسكن خارجه(لاتخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا ان يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك امراٍ)لاعطاء الطرفين مساحة من التفكير والهدوء،وحتى لايتطور الامر للأسوء،فهي ليست بالمدلول الفعلي للضرب باليد او العصى أو كما يقول البعض(بالسواك او طرف الثوب)بل جعل الزوجة تحس مدى ضيق زوجها من نشوزها،فيكون الأثر المطلوب أحداثه نفسيا معنويا لا جسديا. فالضرب عمل غير ادمي وهو اهانة لايرضاها الله.
فرعون الذي طغى،وقال انا ربكم الأعلى، ماذا قال الله لموسى وهارون(اذهبا إلى فرعون أنه طغى فقولا له قولا لينا لعله يتذكر او يخشى)
فكيف بالذين بينهما مودة ورحمة؟
وفي حال اصرار الزوجة على هذا السلوك،فان الشيء الذي يمكن فعله(وان خفتم شقاق بينها فابعثوا حكما من أهله وحكما من اهلها)لان الأهل اكثر الناس معرفة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق