الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

مجلة ملتقى الشعراء والأدباء // سلام على البشر الحقيقيين // بقلم المتالقة ميسم رفيق النسمة

.
.
سلام على البشر الحقيقيين !

يقولُ الرّائع علي عزت بيغوفيتش في كتابه " هروبي إلى الحريّة " :
في الوقت الذي اهتزتْ فيه مدينة نابولي الإيطاليّة من الضّحك لعروض الممثل الكوميدي " كارلينا " ، جاء رجلٌ إلى طبيبٍ مشهور في المدينة، وشكا إليه اكتئاباً شديداً ... اعتقدَ الطبيبُ في البداية أنّ المرض عضويّ، فباشرَ بإجراء الفحوصات المخبرية والتحاليل، فتبيّن له أنّ المريض في أحسن حال... واقتنع فعلاً أن المشكلة نفسيّة !
فقال للمريض : أنتَ معافى جسدياً، جرّب أن تبحث عن المرح والتّسلية، لماذا لا تذهب إلى عروض " كارلينا " ؟!
نظر المريض في عيني الطبيب وقال له : أنا " كارلينا " سيّدي الطبيب !

فسلام على الذين يُثبتون كلّ يوم خطأ المقولة الشهيرة : فاقد الشيء لا يعطيه !
سلام على الذين يُعطون ما لا يجدون !
سلاماً على الآباء الذين حُرموا التعليم بسبب الفقر، فأبوا رغم الفقر أن يحرموا أولادهم، فذاقوا الويلات يبحثون لهم عن قلم وكتاب ومقعد دراسيّ في جامعاتٍ لا ترحم !
سلامً على الأمهات اللائي حُرمن الحنان والاهتمام فلم يُفسد هذا الحرمان فطرتهن، وما زلنَ يُغدقن الحنان والاهتمام !
سلام على الموظفين البسطاء الذين لا يعرف أحد كيف تكفيهم مرتباتهم ورغم هذا تجد أحدهم يضع في يد فقير صدقة !
سلامً على الذين غرقوا في المعاصي ولم يجدوا من يأخذ بأيديهم إلى الله، ورغم هذا ما زالوا يُحبّون الله وأهله !
سلامً على الذين لم تُنسِهم الموسيقى القرآنَ، ولم تُكرّههم الملاهي بالمساجد، ولم يقدهم ركضهم وراء الأزياء إلى احتقار الحجاب !
سلامً على الذي تقلّد منصباً مرموقاً فظلّ إنساناً ولم يقل لنا " أنا ربكم الأعلى " !
سلام على الذين يرفضون الظلم وإن وقع على غيرهم، ويُعارضون القهر والاستبداد وإن سلموا منه !
سلامً على الذين لم تشغلهم وظائفهم عن الأحساس بالعاطلين عن العمل، ولم تُنسهم مناصبهم أن الآخرين بشرٌ أيضاً !
سلامً على الذي تنازل عن رغبة حرام وهو قادر عليها، وحاور نفسه بالآية : " ألم يعلم بأن الله يرى "، فرفض أن يكون الله أهون الناظرين إليه !

سلامً على هؤلاء البشر الحقيقيين الذين يخبروننا أنّ ثمة ضوء خافت في عتمة الحياة، ويجعلوننا نحلم أن هذا الضوء سيصبح يوماً ساطعاً، وتصبح الأرض مكاناً صالحاً للحياة !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق