... إضاءةٌ علـى النقْدِ السّارحِ
مُذْ أولُ بيتٍ من الشعِرِ أنشدَهُ عربيٌّ في الصحراءِ قال له أحدُهم ..أحسنتَ
وهذا أوّلُ نقدٍ ..وأولُ كلمةٍ تشجّعُ الشاعرَ ليتابعَ وقد تخرجُ معلَّقةٌ وتُثبَّتُ علـى جدارِ الكعبة..
وقد امتلأتْ كتبُ الأدبِ العربيِّ بأخبارِ الإستحسانِ وهناك من سجدَ لسماعِ بيتٍ جميلٍ وأسماها (سجدةُ الشعِرِ) وقد تظاهرتْ آراءُ المُستحسنينَ حولَ قصيدةٍ جميلةٍ .فالشعِرُ الجميلُ بيِّنٌ و قريبٌ لكلِّ مَنْ ألقى السمعَ أو عرفَ العربيةَ وهو شهيد.
وعندما تجتمعُ آراءُ الشعراءِ فتمدحُ قصيدةً لشاعرٍ مـا فلا مجالَ للطعنِ بها أو استصغارِ قدْرِها ولو كان الطّاعنُ لوذعيّاً .. ولا لوذعيَّ يفعلُها ..فالذائقةُ الجمعيّةُ أصدقُ من رأيٍ فردٍ .. والأديبُ الناقدُ لا يسفِّهُ نفسَهُ .. لكنّه يقفُ علـى عتبةِ الجمالِ ليشرحَ للعامةِ مواطنَ الجمالِ في الصورةِ والمعنى .. فهناك من يرى الجمالَ بصورتهِ الكليّةِ ولا يعرفُ التفاصيلَ وليس له درايةٌ بالأسبابِ ..
فإذا كانت القصيدةُ جميلةَ الظاهرِ مباشرةَ الطرحِ كأغلبِ قصائدِ الجميلِ صورةً وشِعراً نزار قبّاني تكونُ مهمةُ الناقدِ جَلاءَ الفكرةِ ليس إلّا وشرحَ الصورةِ لمنْ علـى بصرهِ غِشاوةٌ .. وذكرَ أساليبِ البيانِ و البلاغةِ و ووو
أمّا إذا كان الشاعرُ ذا أبعادٍ فلسفيةٍ في التعبيرِ ويجلسُ على مائدةِ محي الدين بن عربي أو يشربُ من نهرِ عليِّ بن سينا أو تأخذُه إشراقيّةُ السَّهروردي أو عِرفانُ مُنتجَبِ الدين العاني وتتلمذَ علـى أشعارِ ابن الفارضِ والراحلينَ إلى اللهِ بأسفارِ الشِّيرازي وحِكمتهِ المُتعاليةِ ..فقد صَعُبتْ المهّمةُ علـى الناقدِ المُدَّعي ويستلزمُ الغوصُ في الجمالِ لناقدٍ حقّاً لوذَعي .. ففي هذا اللَّونِ من الشِّعرِ والأدبِ شيءٌ من روحِ الشاعرِ تُطربُ القارئينَ والسامعينَ أجمعينَ ولا يعرفُها حقَّ معرفتِها سوى القِلَّةِ القليلينْ .
الشاعر حسن علي المرعي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق