الأحد، 20 سبتمبر 2020

مجلة ملتقى الشعراءوالأدباء..كأن ‏شيء ‏لم ‏يكن ‏...بقلم المتألق والمبدع الأستاذ فؤاد حسن ‏محمد

كأن شئ لم يكن
المقهى مصنوع من الخشب الذي يذكر رواده بالطبيعة ، الطاولات ، الكراسى ، الجدران ،في محاولة لخديعة الزبن بالجمال ،ترى اكان يخطر في البال بعد ان حدث ماحدث بعد قطعها وتصنيعها ،انها بلا روح كالجثث .
اقترب النادل وسألنا بلباقة :
- ماذا تطلبان
انا طلبت فنجان قهوه وهي طلبت كوكا كولا ،لماذا يفاجئنا مدى اختلاف الذوق معنا ، ام قبول الاختلاف مجرد ترديد اكاذيب،كان في المقهى قفص بداخلة عصفورين عاشق ومعشوق ،طائران صغيران جدا بألوان نادرة ،نعاقبهما لأنهما جميلان كونهما نحن ولا نحتاج من الجمال لأكثر من ذلك .
شئ فظيع ان يكتشف الانسان ان فكرته عن الحياة هي متعة تخدعك بمهارة ، ان الصعود والهبوط امر مفاجئ ،لكن هذا النوع من الامور هو دائما مفاجئ ، فأما ان تحتسي المرارة او لاتحتسي السعادة مطلقا ،حين نطقت هي بتلك الكلمات همهمت نعم أو سأنتظر وأرى ،وقالت شئ أخر جعلتني افترض ان الحياة جميلة ،قالت لي انا سعيدة... حين اكون معك اشعر اني امرأة جديدة ، لم تكن محرجة بحيث ارتبكت ولم استطع الاجابة ، فضغطت على يدي ومالت نحوي مبتسمة لشئ ما ثم تناولت رشفة من زجاجة الكوكا كولا .
كانت الكلمات تتوالى بسرعة من فمها طرية بصورة متألقة ،بل حتى زاهية كما بدا لي ،بينما كان خيالي منفلتا لدرجة اجده مغلق ومقفول،فقد صار لدي امرأة تحبني كما ظننت ،وأحيانا كانت تحدق فيّ بحنان لدرجة انني ارغب في ملامسة عيونها الواسعة ،لقد ادركت انها زينة الحياة ،وأحسست برومانسية حبها عندما همست :
-أنت نصيبي
من الصعب عليّ الرد بسرعة على هكذا أطراء ،وخيل الي اننا في شريط سينمائي ، فقط كلماتها الحلوة تعبر عن حالتنا هذه ،لم اسمع في حياتي مثل ذلك يطرق سمعي ،تلك المرأة الطليقة جعلتني أحب تلك اللحظة ،بقيت انظر اليها فترة طويلة ،قررت ان تؤكد لي : أنت نصيبي ،فأومأمت لها برأسي :موافق .
قالت : انت أصيل
قلت :
- اناسعيد بوجودك معي .
حديثها الذي بدا مدهشاً جداً ومعبراً عن الحب اكثر من اي شيء توقعته، هذا الفعل بمثابة شيء مذهل جمدني،اشعرني بالعجز،لم اتكلم ،المشكلة لا أدري كيف اربط بين ما أعتقده ذهنيا ،وبين الكلام اللطيف الذي يبدوا انه مدعاة للحب،وددت لو ملكّْْتني الجرأة ان اقول "انتي حلم حياتي " لكني انكفأت على ذاتي ،قالت وهي تشير الى القفص :
- هناك شئ شديد الجاذبية في هذين العصفورين
تريد ان تبعدني عن الموضوع كي تحل عقدة لساني ،لكن بقيت مخلوق غير مؤذ وساكن اخترعته بيدي ،تملأ زقزقة انحاء المقهى ،بأمكاني ان ارى انه يشكرها ،زقزقة من خارج روحي،ما المانع لو فهمت الموضوع وتوصلت الى بداية مناسبة وأدرت الموضوع بطريقة جيدة ،مثل اولئك الجالسون بهدوء لاشك انهم نظموا الفوضى بمهارة ،يجيدون ببراعة القيام بدور الرجل القاسي اللطيف وايجاد الاجواء الجنسية حول الجو، ويتمكنون من ادارة الحوار حول اي شئ .
وكأن ما أراه من الاهتمام هو فوضى اذا لم استطع تنظيمها ،كأن كل شئ لم يبدأ وكأن كل شئ انتهى .
قالت :انظر الى الشارع
في الشارع بنات ذات سيقان جميلة يرتدين الجينز الضيق ،وكذلك الشباب ،لابراز مايعتبرونة شيئا مثيرا جدا ،وبشكل ما ودون أن ادري ارسلت اشارة ضعيفة لها ان الحب ليس كله صعود الى قمة الروح ،بل هو هبوط ايضا الى اسفل الجسد .
ولأن قصدي واضح ، وهي ذكية ، نظرت الي تتقرى في ملامحي حماقتي الدفينة التي ربما اردت بها الصواب في الزمن الخطأ.
لاشك ان وجودها معي في هذا المكان ليس مشهدا ملائكيا ،كوننا معا ذكر وانثى،هذا هو بالضبط نوع اللعبة التي يمارسها الرجل والمرأة ليتسلى الواحد بجسد الاخر ،انها حقيقة ،وليس شاذا فعل ذلك ،وهذا هوالشئ الذي يقولون عنه الحب ،لكن بدا لها اني غير متمكن من قواعد اللعبة ،ولم اتخيل اية نوع من الخطط يمكنها ان تبدل ذلك ، ان الرفض ببساطة يأتي نتيجة اني لم أسأل يشكل لبق .
قالت :
- اّمل أن لاتضيق بي اذا ماسألتك...هل عشقت سابقا ؟؟؟؟
_لا
- واضح ...... لذا تبدوا غير ممتع في تبادل الكلام .

ثمة صوت مبحوح يصيح ،نظر الرواد نحوي وكأنهم يتوقعون أنها صدرت عني ، وبينما تبهت الزقزقة يرفع الطائر جناحيه الى أعلى ويرفرف بهما ،ويسقط الى الأسفل متشنجا قالت لقد مات ،قامت ومدت يدها الى حقيبتها ، وضعت ثمن الضيافة ، واندفعت الى الخارج ، وبقيت واحدا على الطاولة ،وكأن شئ لم يكن.
فؤاد حسن محمد- جبلة- سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق