( يوميات رمضان ٢٢)
- خمسة آلاف -
-----------------
الأمطار الغزيرة تتحول إلى ثلوج بيضاء ، البرد يشد مئزره ، أشجار الصفاف تنحني رعبا ، بينما أصوات الثعالب اختفى في ضوضاء بدأت منذ قليل ، رغم أن الزوال لم يستسلم ، وبعض من النور يهشم وجه الثلج البلوري ، إلا أن عاصفة أخرى تثور فجأة ، الغرفة تحتاج إلى نور أكبر ، أطفال ستة ، نعم ستة أطفال ، يفترشون حصيرا وأرضا صلبة ، في الغرفة المجاورة تدور رحى معركة من نوع آخر ، الزوجة تتشبث بآخر خيط من تاريخ الأمل ، بينما يترنح الزوج على كرسي من البلاستيك ، كاد أن يتحطم تحت وطأة وزن جسم يشبه شيئا ما ، لكن صوته كان يرتفع حينا ، وينخفض حينا آخر ، إنها الحياة التي لا ترحم ...
- وصل المغرب وليس لدينا أي شيء ... وأنت تجلس وكأن الأمر لا يعني لك شيئا ...
- ماذا أفعل يامرأة ، صلي على النبي ، ألا تري ، لا قرش في جيبي ...
- لما أعطيته كل المال ولم تترك لنا ما يقوتنا اليوم فقط ...
- ألم تسمعي ، يا إلهي ، وكأنك في كوكب آخر ، ألم تسمعي ماقال ( إما تتركوا البيت ، أو تدفعوا الأجرة ) قالها كما حيوان مفترس ، ومعه شخص آخر ينتظر خروجنا كي ...
سقطت دمعة باردة ، اختنقت الكلمات هنيهة ، نظر من النافذة إلى السماء ...
- ليس هذا فقط ، بل أضاف خمسة آلاف ليرة عن كل شهر مضى ( الله لا يسامحوا ) ...
صمتت الزوجة ، هي تعلم كل التفاصيل ، لكن الذي لم تكن تعرفه حتى تلك اللحظة ، بأن زوجها يبكي كما تبكي النساء ، فقد اعتادت أن يكون ماردا صلبا كما جسده الثقيل ، حتى هي لم تكن تستطع منع بعض الدموع من أن تحرق وجنتيها ...
- لا أريد أن آكل ... المهم الأولاد ... لعن الله من تسبب لنا بهذه الحالة ...
لم يرد الرجل السمين على كلمات زوجته ، اكتفى بتنهيدة وصل صهيلها إلى السماء السابعة ، ما أصعبها من لحظات ...
لم يتبق على صوت المدفع سوى دقائق خمسة ، الثلوج البيضاء غادرت المكان ، تاركة رذاذا من المطر ، ونسمة خفيفة الضجة ، أشجار الصفاف تعود إلى ثباتها ، بينما طائر أسود اللون يحمل شيئا ما يحط بين صغاره في ذاك الحائط الطيني ...
الباب يقرع ، أحد ما في الخارج ، انطلق الولد الأكبر ليفتح الباب ، وجه امرأة جميلة ، تبتسم كما ملائكة ، ترتدي معطفا مزركشا ثقيلا ، تحمل بين يديها أكياس سوداء تفوح منها رائحة شهية ، أعطت الولد الأكياس ثم غادرت دون ان تلفت إلى الوراء ...
- إنه طعام يا أمي ... طعام يا أبي ... تعالوا يا إخوتي ...
الدمعة التي سقطت من عيني الرجل منذ قليل ، أمست جليدا يعادل وزن جسده ، ابتسمت الزوجة ، لكنها كانت ابتسامة صفراء شاحبة ، ماذا عن الغد ، ياله من نكد نساء ...
-----------------
وليد.ع.العايش
٢٢/رمضان/2017م
السبت، 17 يونيو 2017
الأستاذ وليد عرفات العايش
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق