الجمعة، 22 نوفمبر 2019

مجلة ملتقى الشعراءوالأدباء..أستمدوها من أسلافهم...بقلم المتألق احمد علي صدقي..

استمدوها من اسلافهم
دخلت مكتبتي.. جلست فوق الكرسي.. أرجعت رأسي الى الوراء وافترشت راحتاي واسندته اليهما. تأملت رفوف المكتبة وما اصطف فوقها من كتب.. قلت:
كم هو جميل أن تكون لديك مكتبة. وكم هو جميل هذا العلم وأجمل منه أن تعرف كيف تسبر به اغوار الكون وتتعرف على مبادئ قواعده.. بسطت يدي نحو رف من رفوف المكتبة، تناولت منها كتاب "شجرة الحضارة" لرالف لينتون. قرأت منه بضع صفحات ثم أغلقته.. سرح خيالي.. تخيلت ما تحتضنه الكتب، مثل هذا، من حضارات سالفة.. حضارات اندثرت وأخرى مستمرة وثالثة في بداية نشأتها ورابعة ماتت في مهدها.. حضارات خُسِفَ بها وأخرى أُغْرِقَت وأخرى نمت حتى استوت على عروشها ثم دُمِّرَتْ فأمست كعصف مأكول.. حضارات ما رأيناها ولكنها حاضرة بين دفتي الكتب بقضها وقضيضها.. حضارات بناها رجال عظماء بعد عناء و سهر وابحاث.. حضارات ما وجدت في الواقع حتى تبلورت في الاذهان لتتحقق بعد جهد جهيد بالواقع.. عوالم سعى في وجودها كُتَّاب وصفوا مكوناتها في الخيال ثم بناها رجال همهم أن تتقدم شعوبهم وتكون في صفوف الأمم الأولى.. لو تفحصنا ما تحتويه الكتب من مخلوقات لوجدنا منها ما يشبهنا و منها من لا علاقة له بجنسنا.. مخلوقات طبيعية وأخرى غريبة  منها الجميل والقبيح والسوي والمعوج.. والكريم والشحيح والقوي والضعيف.. ولكن لم يكن منها يوما من هو بغرابة مخلوقات عصرنا. مخلوقات هذا العصر وصلت من العلم ما قد يمكنها من قهر الفقر وطرد الجهل و اسعاد كل الناس لكنها عوض هذا نراها تعيش فقرا مدقعا وحروبا مدمرة و عداوة لم ير أي زمان مثلها.. زمننا زمن مخلوقات عجيبة تستهلك ولا تنتج. تكره العمل وتحب الكسل.. تبني السجون وتهدم الآثار. تدافع عن الحيوانات وتهين الانسان.. مخلوقات في محنة و تنتظر من ينقدها من محنة عدوانها لبعضها البعض وتتمنى لو يأتي من يفتح لها أبواب السجون لتعيش حياتها بحرية.. تترجى ربها أن يفتح لها دفتي الحياة المسدودة عليها كدفتي هذا الكتاب على هذه الحضارات البائدة.. أناس جامدة ترقد منتظرة دفئا يحييها.. تستنجد بقارئ  له رغبة في الخروج من عالمه والدخول لعالمها.. قارئ ينقلها من عالمها المسطح الى عالمه بأبعاده الثلاثة.. 
استولت على عيوني غفوة، اتكأت على مكتبي.. تراءت لي من بعيد قاعة علقت ببابها لافتة مكتوب عليها: ""مؤتمر الحد من الرؤوس الثائرة وتقليص انتاج الادمغة المفكرة"".. ثم سمعت ضجيج جماهير غير راضية تجادل مسؤولا.. ثم رأيت رجلا بيده سوط مرتديا بدلة عسكرية يتقدم الحشود متجها نحو تلك القاعة  ويقول:
ذروني أقتل موسى وليدع ربه.. افتكرت كلام فرعون.. ثم قلت:  فرعون قد أُغْرِقَ ومات.. وما يرتديه هذا يدل على أنه من زماننا.. إذن هذا ليس فرعون الزمان الماضي ولكنه فرعون زماني.. تبعه رجل آخر فوق رأسه تاج من ذهب وهو في أبهى زينته. قميصه أبيض وفوق رأسه قطعة توب حمراء و يحمل بيده مفاتيح ويردد: 
أموالي اسلمها لمن أحببت.. لن تأخذوها مني يا من اغاضكم غنائي. امرهوني أن شئتم فهذا يهمكم.. هي أموالي وقد أوتيتها على علم عندي. افتكرت كلام قارون وقلت قارون قد خُسِفَ به. ولباس هذا من لباس زماننا إذن هذا ليس قارون الزمان الماضي ولكنه قارون زماني. مر ثالث يرتدي معطفا عسكريا وقبعة و يقول لأحدهم وبقلق بالغ: اجعل  الكذبة كبيرة، واجعلها بسيطة، واستمر بقولها وفي نهاية المطاف سيصدقونها. افتكرت كلام هيتلير وقلت هذا من استراتيجياته ولكن هيتلير قد مات اذن هذا ليس هيتلير الزمان الماضي، لا بد أنه هيتلير زماني. تبعه رابع يرتدي بدلة عسكرية وفوق راسه قبعة دائرية سوداء صغيرة الحجم ويحمل بيده قناعا ويقول: صدقوني، لا تتهموني بالكذب فأنا إلاه و قادر أن أحيي وأميت. فقلت هذه من اقوال النمرود. ولكن النمرود قد مات. اذن هذا ليس نمرود الزمان الماضي  أنه لا محالة نمرود زماني.. اجتمع الأربعة والحشود وراءهم غاضبة تصيح و تندد بأنهم هم اسباب كل مشاكل العالم وأنهم هم من يمولون ويصدرون الحروب و ينتجون التعاسة والفقر. لم يبالوا بما يقال ولا لمن يقول.. دخل الاربعة قاعة المؤتمرات وكان بعيدا عنها ومن وراء الحشود ندير عريان، فوق مجموعة كتب يشير بقميصه ويقول:  يا أيها الناس قد غرتكم الأماني وانشغلتم بالدنيا فما ركبتم سفينة النجاة فأنا عشت فيها طويلا وإذا بي كأني دخلت بيتاً له بابان، دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر. فيا مسؤولون، أرجعوا لوعيكم، فكلكم راع لأممكم وكلكم مسؤولين عنها.. وأراكم ما رعيتم الا مصالحكم فتوبوا الى بارئكم... افتكرت كلام نبي الله نوح وقلت ولكن نوح قد مات اذن لن يكون هذا سوى عالم من علماء عصرنا يسعى لانقاد قومه.. تحركت.. سقط الكتاب الذي كان بيدي.. استيقظت من غفوتي.. وصوت الشيخ عبد الباسط بالمذياع يقول: وإذا قيلهم لا تفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يسعرون.. 
تركت مكتبتي و خرجت لأفوج عن نفسي من هموم هذا الكابوس فإذا بنفسي تاهت بين الناس.. بحثت عنها فما وجدتها.. رجعت لمكتبتي فوجدتها تبحث عني بين الكتب...
احمد.علي صدقي من المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق