(( أيتها الخمرة))
أيتها الخمرة التي ما يوماً أحببتك ولا حاولت أن أَشُقَّ طريقاً يأخذني إلى عالَمِك الذي لا يرحم.
لكنني وفي جلسة مع الأصدقاء وكانت الخمرة سيدة الموقف.
قلت في نفسي وبعد تَرَدُّدٍ :
بما أنها جاءت إلي بنفسها فليكن كأساً واحداً مهما كانت العاقبة.
العاقبة التي توقعتها من الله وتحريمه للخمر كانت في الحسبان وقلت في نفسي :
إن الله غفور رحيم وإن لم أفز بغفرانه على هذه الإثم فليكن في سجلي خظيئة جديدة.
ولكن ما حصل هو ما لم يكن بالحسبان
أمسكت الكأس بيَدَيَّ المرتجفتين رعباً وخوفاً وكانت الرشفة الأولى وأنا أتمتم وأصَلِّي طالباً الرحمة
الأحاديث تعلو والكؤوس تتعانق والضحكات
وأنا بعد الرشفة الأولى ابتعدت عنهم كثيراً
نظرت في الكأس فوجدت نفسي في فلسطين التي كان اجتمع الإخوة العرب وتكاتفوا على تحريرها طاردين بني صهيون منها
رحت أقف على أطلالهم التي كانت تصدر عنها أصوات الحقد والوحشية والكراهية
انتقلت إلى مقبرة قديمة فوجدت الجميع رجالاً ونساءً وشيوخاً وأطفالاً خرجوا من قبورهم وعقدوا حلقات الدبكة والفرح بالإنتصار على يد إخوانهم الحكام العرب الذين قادوا معركة التحرير.
سررت جداً بما شاهدته.
سريعاً ارتشفت الرشفة الثانية فكان ما أذهلني وأفرحني وجعلني أحقد على نفسي التي كانت دوماً كاذبة ظالمة حاقدة على هذه الأمة
انتقلت من بلاد الشام إلى بلاد الخليج إلى وادي النيل وبلاد المغرب
لا حدود
لا من يسألني من أين أنت وإلى أين أنت ذاهب
لا وجود لقصور الحُكَّام ولا من سمع بها من قبل
لا حاكم يحكم
الشعوب تختلف في مظهرها الخارجي لكنها متوحدة في العقيدة والمحبة.
سريعاً سريعاً ارتشفت الرشفة الثالثة
ما حصل أنني كنت قد ظلمت الإسلام وظلمت الشيوخ ورجال الدين
آه كم كنت ظالماً
آه لو أستطيع التكفير عن الخطايا التي ارتكبتها بحقهم
جميعهم يدعون للمحبة والوئام والسلام
لا إسلام إلا إسلام واحد
الناس جميعاً يعبدون الله ويعملون بما قاله في كتبه السماوية.
لا وجود لفقير ولا غني
الناس كلهم متساوون كأسنان المشط
كم كنت ظالماً وحاقداً وجاهلاً عندما كنت أتحدث عن الفوارق الطبقية؟
الآن تأكدت أنني أستحق العقاب والطرد من هذه البلاد الطاهرة التي تزهو بعيشها المشترك وبالمحبة والوئام والحرية المطلقة
ما أجملك أيتها البلاد التي لا وجود للسلاح في أعراف شعوبك
لا وجود للحروب بل لم يسمعوا بها ولا يعرفونها وما يوماً عرفوها
كان قد بقي في الكأس رشفة واحدة
وعلى عجل وبلهفة ما عرفتها يوماً دنوت بالكأس من شفتي لأشرب الدمعات المتبقية
ولكن ما حصل أنني سمعت عبارة الله أكبر تلاها صوت إطلاق عيار ناري أصاب الكأس فراحت أشلاءً وانتهت رحلتي.
بعدها خلوت بنفسي متعبداً طالباً من الله المغفرة والرحمة معاهداً تائباً بأنني لن أقرب الخمرة ثانية لأنها لا ترحم.
سليمان سليمان ( أبو محمد)
الاثنين، 30 أبريل 2018
الكاتب المبدع سليمان سليمان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق