((طارَ العصفور))
في تلك الليلة الباردة من ليالي شهر كانون
كان كل شئ يئن من البرد حتى الحجارة.
كنا مجتمعين حول( موقدة النار) في ذاك البيت العربي القديم
كانت عينَيَّ لا تفارقان عينيها
كنتُ أراقب كل حركة تقوم بها
أقرأ ما هو مكتوب على خديها الورديين الَّذين كان الدم يخرج منهما كلما التقت العيون.
الأحاديثُ القُرَوِيَّةُ هي الغالبة
والدها والضيوف من بعض رجال القرية القرويين كانوا يتبادلون الأحاديث وبحماس تارةً وأخرى بهدوء حسب الموقف
طبقاتُ الدخان العربي تتنقل بين الرجال
رائحة الدخان العربي هذا اختلطت مع رائحة دخان الحطب المشتعل في هذه( الموقدةِ) المحفورة في أرض البيت تسببت في سيلان الدموع من العيون
كانت عيونهم لا تعنيني
رأيتُ الدموع تنسكب من عينيها فحزنت كثيراً وبصورة لا شعورية سألتها :
ليش عم تبكي يا لطيفة؟
لم تجبني بل ابتسمت ومسحت الدمع عن خديها.
أجابني والدها: كلنا عم نبكي من الدَّخنة يا عَمِّي.
وهنا انتبهت لحالي وخفتُ كثيراً
كنت في العاشرة من عمري حينها أو أكثر بقليل
وأعتقد أن هذا هو الذي غفر لي خطيئتي
تابع الرجال أحاديثهم
وبينما كنا جالسين وإذ بعصفورٍ يدخل البيت ويقع على الأرض
أسرعت إليه وأمسكته وكان بارداً كالثلج ولا يقوى على الحركة وهو يرتجف كقلبي المسكين
وضعته بين يَدَيَّ ورحت أتأمله تارة وتارةً أخرى أتأمل هذا الوجه الملائكي الذي تَمَلَّكَني.
بعد فترة والعصفور في حضني شعرتُ بحركته النشطة
نظرتُ إليه وحاولت الإمساك به لألاعبه وأدخل الفرحة إلى ذاك القلب الذي أسر قلبي وإذ بالعصفور يصفق بجناحيه ويطير ويخرج من باب البيت الذي كان مفتوحاً.
وبصورة لا شعورية قالت بصوتها الملائكي المخملي مبتسمة :
طار العصغور
طار العصفور
ليش طار العصفور يا حزرَك ؟
وهنا وقفت كالفارس الذي لا يهاب الوغى وقلت لها :
طار العصفور
العصفور طار
لأن كان بردان ودفي.
والله فيني طير متل هالعصفور.
التفت والدها رحمه الله وقال لي :
بَعْد بَكِّير عليك يا عَمِّي.
وما زلتُ من يومها وحتى اليوم وأنا ابن الستين أطير ولم أشعر بالتعب.
الاثنين، 30 أبريل 2018
الكاتب المبدع سليمان سليمان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق