(( نهاية الغرور))
منذ مائتي ألف عام وبعض الآلاف من السنين كنتُ أتجول في البادية لحاجَةٍ عَرَضَت لي.
وصادف مروري بمجموعة من الرجال يجلسون تحت شجرة نخيل عملاقةٍ تحكي تاريخاً تعجز عنه الروايات.
ألقيتُ السلام عليهم فَرَدُّوهُ بِأَحسَنَ منه وَدَعوني للجلوس وأكرموني
وقبلَ أن أسألهم عن حاجتي كنتُ أستمعُ إلى أحاديثهم عن الفروسية ومغامراتهم وبطولاتهم وكيف يقومون بترويض الخيول وعن المعارك التي خاضوها وكان كل واحد منهم يحكي روايةً يقابله الآخر برواية أعظَمَ منها.
فرسانٌ كانت الهيبة باديةً على وجوههم
فرسانٌ كانت ملامح وجوههم تحكي عنهم.
خلال استماعي إليهم نسيتُ ما كنتُ أبحث عنه.
دَبَّ الحماسُ فيَّ وانفَعَلتُ كثيراً وقُلتُ في نفسي :
لِمَ لا أصبحُ فارساً؟
وماذا ينقصني؟
وهل هم أقوى وأبرَعَ مِنِّي؟
وَقَفتُ واستَأذَنتُ بالمغادرة
سألني أحدهم: ما حاجتك يا أخا العَرَب؟
قُلتُ له: لا حاجة لي أيها الفارس فقط مجرد عابر سبيل
أشكركم على إكرامي.
سألني الآخر: هل تجيدُ الفروسية؟
أجابه أحدهم: لو كان فارساً لما جاءنا راجِلاً.
نظرتُ إلى بعضهم فرأيته يبتسم.
قُلْتُ لهم: إنني فارسٌ تهابه القفارُ والفيافي
لكن اللصوص اعترضوني وقتلوا فرسي بعد أن خدعوني.
هل من أحدكم أن يسمح لي بركوب فَرَسِه؟
قالَ أحدهم: لك الفرس أيها الفارس الشجاع.
وأَشارَ إليها.
على الفَورِ عَلَوْتُ ظهر الفرس وقبل أن أنطلق طلبتُ منهُ أن ينزعَ اللجام من فمها.
وهنا وقف الفرسان مذهولين وراحوا برمقونني بنظراتهم ومئات الأسئلة تتبادر إلى أذهانهم.
لكن أحدهم بادر بسؤالي :
أيها الفارس الصنديد
كيف ستتنطلق بدون لجامٍ للفرس؟
وهنا وبصوتي العالي والذي فيه نوع من التكبر والإفتخار بالنفس الزائد عن الحدود قلتُ له مخاطباً الجميع :
يبدو أنكم ما زلتم مبتدئين في فنون الفروسية. ( وكان القصدُ أن أكسر شوكتهم) ولكنني كنتُ جاهلاً عواقب فعلي هذا.
وهنا قام الفارس بنزع اللجام من فم الفرس لكنه قبل أن يأذن لي بالإنطلاق سألني :
وما هي ضمانتي بأنك ستعيد الفرس لي؟
قلتُ له: ضمانتي هي كلامي
كلام الفرسان.
قال لي: أنطلق.
وانطَلَقَتِ الأصيلة ويا ليتها ما انطَلَقَت
وراحت تجوب الفيافي وبدون توقف
رعبٌ قاتلٌ أصابني
هي تنطلق بأقصى سرعتها جامحَةً وأنا متمسك بها بأقصى ما أملك من قوة
لم أستطع إيقافها
رعبٌ قاتلٌ لا حدود له
لا أستطيع إيقافها ولا هي توقفت عن الجري الجامح ولا أجرؤ على القفز عن ظهرها لأنها ستكون نهايتي.
كنتُ كلما مررتُ في قبيلةٍ يستقبلني العربان بالتصفيق والتهليل والتحايا ورفع الرايات ولكنهم لا يعرفون شعوري وسوء حالي.
ومازلتُ على ظهرها منذ ذلك الحين إلى اليوم وأنا في مشكلتي
لا أجرؤُ على الطلب من أحدٍ إيقافها حفاظاً على كبريائي الذي كاد يقتلني بسبب غروري وحماسي الزائد ولا أعرف متى تقف؟
أنصحكم يا إخواني لا تفعلوا ما فعلت
وأرجو ممن يصادفني أن يبادر إلى إيقاف الفرس لكن من دون أن يفضح أمري
سليمان سليمان ( أبو محمد)
السبت، 14 أبريل 2018
مجلة ملتقى الشعراء والادباء // نهاية الغرور//بقلم المتالق سليمان سليمان
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق