مريانا مراش
1848 - 1919
تعتبر مريانا المراش من أهم الأديبات في شرقنا العربي في العصر الحاضر، فهي سليلة بيت أدبي مرموق، فأبوها فتح الله المراش الرجل الفاضل الذي اعتنى بالكتب والمطالعة وجمع مكتبة كبيرة حوت كل أنواع الكتب، وأخواها عبد الله مراش وفرنسيس مراش كانا من أركان النهضة الأدبية في الشرق العربي في القرن التاسع عشر. أما مريانا فقد لمع نجمها في مجال الأدب، واعتبرت أول امرأة تفتح صالوناً أدبياً في المنطقة العربية.
درست مريانا العربية على يد أخيها فرنسيس، ودرست اللغة الفرنسية في مدرسة راهبات ماريوسف وأتقنت فنون العربية من نحو وصرف وعروض على يد أبيها. كما درست الموسيقى وكانت عازفة بارعة.
وما كادت ثقافة مريانا الأدبية تكتمل حتى أخذت تكتب في الصحف والمجلات، فكتبت في جريدة (لسان الحال) وفي مجلة (الجنان) مقالات تنتقد فيها عادات بنات عصرها، وتحضهن على التزين بالعلم والأدب.
وكذلك راحت تنتقد أساليب الكتابة المتبعة في ذلك الوقت، والتي كان الكتاب فيها يتقعرون في ألفاظهم فدعتهم إلى تحسين أساليب الإنشاء وتنويع الموضوعات والتفنن بها.
وقد سافرت مريانا إلى أوروبا واطلعت على أخلاق الأوروبيين وعاداتهم عن قرب فاستفادت منهم كثيراً، ثم عادت إلى وطنها تبث بين بنات جنسها روح التمدن الحديث والأخلاق الصحيحة.
ومنذ عودتها أصبح بيتها ندوة يجتمع عندها الأدباء، يقرؤون ويبحثون ويتطارحون الشعر، ويستمعون إلى عذب غنائها ويستمتعون بجمال الصوت وعذوبة الغناء ولذلك اعتبر بيتها أول صالون أدبي في المنطقة العربية.
وقد نظمت عدة قصائد ومقطوعات في أغراض شتى، وجمعت أشعارها في ديوان سمته (بنت فكر).
فمن شعرها الذي قالته أبيات ترثي فيها صبية ماتت محترقة. تقول:
عفافة نفس مع بديع محاسن
ورقةُ أعطافٍ، فلله كم تسبي
فقد جمعت ضدين في حدِّ ذاتها
ففي اللحظِ إيجابٌ يشير إلى اللبِّ
وشغل قلبها برجل فتغزلت به قائلة:
بذكر المعاني هام قلبي صبابة
فيا نور عيني هل أكون على القرب
عسى الشمس في مرآك للعين تنجلي
فتنتقل للأبصار ما حلَّ بالقلب
ونجد من خلال ذلك أن شعرها العاطفي كان شعراً رقيقاً مفعماً بالأحاسيس وكانت ترسم نبضات قلبها بشعر رقيق، فمن شعرها تشطيرها الأبيات المشهورة (للعاشقين بأحكام الغرام رضا):
للعاشقين بأحكام الغرام رضا
يمسون صرعى به لم يألفوا المرضا
لا يسمعون لعذل العاذلين لهم
فلا تكن يا فتى للجهل معترضا
روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا
ذاك الذمام وقد ظنوا الهوى عرَضا
جاروا وما عدلوا في الحب إذ تركوا
عهد الوفيِّ الذي للعهد ما نُقضا
قف واستمع سيرة الصبِّ الذي قتلوا
وكان يزعم أن الموت قد فُرضا
أصابهم سهمُ لحظٍ لم يبالِ به
فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا
رأى فحبَّ فرامَ الوصلَ فامتنعوا
فما ابتغى بدلاً منهم ولا عوضا
تقطّع القلب منه بانتظار عسى
فرام صبراً فأعيا نيله فقضى
وقد وصف الأديب قسطاكي الحمصي الشاعرة مريانا مراش (وكان من معاصريها ومن روّاد صالونها الأدبي) وصفها بقوله: (كانت مريانا مراش رقيقة الشمائل، عذبة المنطق، طيبة العشرة، تميل إلى المزاح، وقد تمكن منها الداء العصبي في آخر سنيِّ حياتها حتى كانت تتمنى الموت كل ساعة).
ولم تكتف الأديبة الشاعرة مريانا مراش بالغزل بل كانت تمدح بعض رجالات الدولة العثمانية، وبعض القناصل الذين كانوا على صلة وثيقة بها وكانوا يترددون على صالونها الأدبي.
وحياة مريانا مراش تشبه حياة الأديبة المعروفة (مي زيادة) التي كانت تعيش في مصر. فكما تمكن الداء العصبي من مريانا تمكن أيضاً من الآنسة مي زيادة. هذا الداء الذي أورثها الضيق والملل والانقباض حتى كانت تفضل الموت على الحياة.
وقد قضت مريانا نحبها في نهاية الحرب العالمية الأولى سنة 1919 كما قضت مي نحبها في نهاية الحرب العالمية الثانية 1946 م.
د عبد الحميد ديوان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق