الأربعاء، 20 مايو 2020

مجلة ملتقى الشعراءوالأدباء....أنانية...بقلم المتألقة والمبدعة الأستاذة روزيت عفيف حداد

أنانيّة.

أمسكت بيدي جيّداً لأشعر بالأمان. الطّريق موحشة ومقفرة، الشّمس إلى مغيب،  والهواء يعصف بين الأشجار الباسقة، حفيف أوراقها موسيقى سيرياليّة.
لم أكن ليلى الذّاهبة إلى جدّتها عبر الغابة، ولم أكن الذّئب الذي يتربّص لها. لم تكن غابة تلك التي أجتازها، كانت طريقاً مرصوفة بحجارة بازلتيّة متقاربة الأحجام متدرّجة الألوان بين الأسود والرّمادي وبشكل هندسي جميل، تحاذيها من الجانبين أشجار كثيرة.
كنت صبيّة تعيش أملاً في حياة أجمل، تجتهد وتتمنّى مستقبلاً مشرقاً تتحقّق فيه أحلامها البسيطة. كانت الأحلام قوت حياتي.
أعود من عملي، مرهقة، لأساعد أمي التي بدورها تعيل إخوتي الذّكور المرضى وراثيّاً بسبب زواج الأقارب المتكرّر في العائلة، وزواجها، هي، من ابن عمّها الذي هو أبي، أو  بالأحرى الذي كان أبي، لأنّه اليوم أب لطفلين جميلين، يذهبان إلى المدرسة ويعيشان حياة طبيعيّة بعيداً عن بيتنا وهمومنا وكآبتنا.
رغم هذه الحياة القاسية، أتابع دراستي مع أخي الذي نجا من المرض والذي نعوّل عليه في أمور كثيرة.
في طريق العودة، ولكي أشعر بالأُنس، صرت أغنّي بصوت منخفض، أرفعه كثيراً، أحياناً، وأضحك، أصبحت خطواتي متناغمة مع لحن الأغنية، شعرت بالسّعادة، وكأن وطأة التّعب انزاحت، وكأنّ الأنغام نسائم صديقة تبدّد حزني، فتذكّرته.
كان شابّاً لطيفاً طموحاً، هاجر من الرّيف إلى المدينة، يعمل في أوقات الفراغ ليكسب مصاريف دراسته ونفقات معيشته. تذكّرت تلميحاته لي، تلك التي أرضت غروري وأنوثتي والتي كنت أبادله بمثلها في سرّي، لكن أنّ لمثلي أن تحبّ وتحلم بالحب. هل أترك أمي وحيدة مع هذا الكمّ الهائل من الأعمال اليوميّة، ألا يكفيها أن رماها أبي مع كتل لحم ناطقة لكنّها عاجزة عن الحركة، كتل لحم من صلبه، هو، ابن عمّها؟ توقّفت للحظات، اتّخذت قراراً غير قابل للمداولة: لن أتزوّج قبل إجراء الفحوصات الجينيّة اللازمة لإنجاب أطفال أصحّاء.
بين الغناء والتفكير، تقصر المسافة إلى بيتنا ويقترب مني دبيب شخص يمشي خلفي، أشعر بنظراته لي، خفتُ، أسرعتُ، أسرع، تباطأتُ، شعرتُ بلهاثه، فزعتُ، توقّفتُ والتفتُّ بسرعة، ألفيْتُ وجهه قرب وجهي، يهمّ بالكلام، صرختُ، ارتعبَ، الدّم يغلي في عروقي، صدري كأرجوحة يعلو ويهبط، تتقطّع أنفاسي؛ عندما أدركت من هو، بكيت حتّى كدت أنهارُ؛ أشفق عليّ، ليخفّف عنّي الرّعبَ أمسك يدي، شعرت بالخجل، قال: أتركها؟ قلت: لا، أخاف أن تتوه منّي، يدي.

روزيت عفيف حدّاد 
سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق