(يوما ما ستأتي)
من روائع الادب العربي
بقلمي : د. عبدالوهاب الجبوري
***
كانت طبيعته المهنية وأخلاقه وأسلوبه في التعامل مع زملائه في الدائرة مثار أعجابها وأعجاب كل الزملاء ، تطور فيما بعد الى علاقة حب قوية بينهما ... كان حسن مثلما أحبته ، نسيماً عليلاً في حقل من ضوء ، وقد ملأ الحب قلبيهما وأمتد عميقاً في ياسمين الصباح وفي جلنار المساء .. وسوسةٌ تسللت إلى قلبها ، فباتت حزينة تتدحرج فوق عتمة الليل كنجم يلاعب ظله .. مضت في فلوات الصمت تتكيء على جسدها المتعب ، تتشابك مع أحلامها ، والريح العاقر تلاحقها ، تزحف خلفها كأفعى رقطاء وفي عينيها شهوة انثى مسعورة .. تسلقتْ برج الورد ، في محاولةٍ للتخلّص من وسوستها ، إلا أنها لم تقدر فانتابها الصداع والوجع وراح ظلها يتشبث بأغصان النور رغم مرارة العذاب في صمت لياليها الطويلة .. رآها حسن تبكي وقد غرق وجهها الطفل بالدموع ، فتأرجحت روحه بين الحزن والأسى كغصن تتلاعب به الريح أنى شاءت .. يمّم شطر قلبه الى روحها علّه يعينها على تجاوز محنتها ، ثم حدث نفسه : مباركة يا سماء الجراح المغطاة بالصمت والعنفوان ، لم تكن حبيبتي في يوما ما شقية ، و لم تنهر صبيأً أو صبية أو حتى يمامة ، وإذا ما جاع الرمل بينها وبين الصحراء يوما كانت تصير رغيفاً عفيفا .. هكذا كانت رهيفة القلب ، تبكي من تلقاء نفسها كما لو صيغت من دمع وحنين ، درةٌ نقية من عامة الناس ، بسيطة، طيبة ، تتأجج عنفواناً ووقارا ومهابة .. ، تنزوي وحيدة وهي ممتلئة بالليل وقلبها متعب .. صمتَ قليلا ، ثم بكى وتذكر أن أنينها كان يرقبه في كل الأزقة والمنعطفات ، وتذكر قبلة الجبين التي غافلته على حين وجد ، وألقت بأفيائها في لظاه الحنون .. ختم حديثه لنفسه : قد حصل لها ما حصل ، ولكنه سيزول كما قدره الله ، وتخضرّ في صدرها الضحكات الأنيقة ، وصباحها سيكون الأجمل ، وتكون هي جميع نساء الفصول .. وجهي ينهض فيها لتخرج من قامتي أذرع ورجال ، ويغتسل الأفق بالكبرياء ، وتكون أجمل كل النساء ، وتأتي في أول الفجر ، كوجهها حين أبتدأنا .. ختم قوله : وتأتي الحبيبة معافاة ، لا مرض ولا وسواس .. وتأتي زماناً جديداً وغباراً جديداً ، حبيبتي العشية نافذة يعبر الآن منها المساكين، تعبر منها الطيور، والرصاص، والمياه، حبيبتي العشية
فلسطين متكئاً للحياة..
عبدالوهاب الجبوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق