الثلاثاء، 8 مايو 2018

المتالق سليمان سليمان // في الشارع كنت اسير//مجلة ملتقى الشعراء والأدباء

في الشارع كنت أسير وببطء شديد
عندما أنظر إلى تلك البنايات والشوارع والمحال التجارية كنت أرى صوراً تتزاحم أمام ناظري.
أشخاص رحلوا منذ زمن بعيد
ولكنني أراهم أمام هذه المحال بلباسهم العربي وبعكَّازاتهم وبابتسامتهم وبهيبتهم وشموخهم
أراهم في مجالسهم في أحد المحال خلف ( الدِّروند الخشبي)  وهم يتبادلون الأحاديث وسحابة الدخان تعلو المكان وصوت قرقعة كؤوس المتة يعجز الإيقاع عنه.
أسير ببطء شديد
تخيلت نفسي ذاك الولد الفقير الذي كان يمشي شبه حافي القدمين وشنتة كتبه القماشية التي خاطتها له جدته من سروالها أو فستانها وكانت نقشة حمراء ونقشة بيضاء وهي مُعَلَّقَةٌ في كتفه وتحوي إضافة إلى كتبه رغيف خبز تَنُّور شبه يابس.
أمام أحد المحال وقفت وقلت :
نعم يا جدي ماذا تريد؟
تأمر
واقتربت من الكرسي وانحنيت لأمسكه بيده لأساعده على الوقوف ولكنني قبل أن أتأكد بأنه لا وجود لأحد أمامي بل كنت أخاطب من كان يجلس على الكرسي الخشبي منذحوالي خمسين عاماً رحمه الله وإذ بالمفاجأة المؤلمة. :
العما في عيونك
شو أنت واحد مجنون وعم تحكي مع حالك
ليش واقف بالطريق؟
دفعني بيده على ظهري فوقعت أرضاً
نظرت إليه
شاب في ريعان شبابه
يضع السماعات على أذنيه وبيده ( والده ووالدته ودينه ومعتقده ورفيقه و.....) جهاز الخليوي
حاولت أن أحبس الدمعة في عيني لكنني ما استطعت.
قلت له والدمعة رسمت مجراها على الخد :
الله يهديك يا جدِّي.
هل تعلم من هو صاحب هذا المحل؟
قال لي بسخرية: لقد مات منذ زمن بعيد
إنه جَدِّي
قلت له: هل تعلم لماذا انحنيت؟
قال لي: وماذا يعني لي الموضوع؟
قلت له: كنت انحنيت لأمسك بيد جَدَّكَ العجوز لأساعده في النهوض عن الكرسي.
هو طلب مني هذا الآن كما  كان طلبه مني منذ حوالي الخمسين عاماً.
قال لي: روح يا عمي
جننتني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق