الجمعة، 31 يناير 2020

مجلة ملتقى الشعراءوالأدباء...معلمتي....قصة قصيرة ...بقلم المتألق رضا الحسيني

مُعلِّمتي ... قصة قصيرة / رضا الحسيني

عندما كنت صغيراً ؛ كنت أعرف من معلمتى أن كل جواب له سؤال ؛وكانت تقول لنا دائما أن الإجابات موجودة بعقولنا قبل أن توجد الأسئلة ؛ فقط تكمن مهارتنا فى التنسيق بينهما؛ ولأننا كنا نحبها كنا نتسابق فى نيل رضاها .. كنا مبهورين بأفكارها، علمتنا كيف نحب العلم والقراءة وحفظ القرآن والصلاة وعلمتنا الحب وعشق فيروز ودخول السينما وتنسيق الزهور فى شرفات منازلنا ؛ حبًبتنا فى الرياضة كانت تعلمنا اليوجا ؛تعلمنا معها حب الصيد ؛ خمس دقائق فى آخر كل حصة نتحول فيها من تلاميذ إلى عشاق للحياة ، لم تضرب أحداً منا فى يوم ، فقط المهمل هو الخاسر الوحيد .. كان يخسرها ويخسر الآخرين .. كان عقابها قاسيا كلنا نخاصمه لا نكلمه لا ننظر إليه وهى لا تنظر إليه ولا توجًه له أى كلام ، كانت تجعل مقعده أمام الآخرين حتى يرى فرحتهم فى أعينهم عندما يتحدثون معها ، مرة واحدة فقط عاقبتنى يومها كدت أنفجر من البكاء ندمت كثيرا على إهمالي ؛ تمنيت يومها أن تبتلعنى الأرض أو أن تعفو عنى بسرعة ؛ عند منتصف الحصة قفزت من مقعدى نحوها قبلت يدها ؛سحبتها بسرعة وأشاحت بوجهها عنى .. نظرت لزملائى سألتهم أن يشفعوا لى عندها، كانت قد علمتنا كيف نتراحم فيما بيننا ، انتزعت تعاطفهم وابتسامتها لى، داعبت خصلات شعرى .. كانت فى مطلع كل شهر توزع علينا ورق الأسئلة بابتسامة وهى تقول لنا : من سيكون صديقى هذا الشهر ؟ كانت تجعل أولنا يصاحبها فى كل مكان طوال اليوم ؛ تأخذه معها يوما الى بيتها ؛ تُدخله عالمها .. تُجلسه على مقعدها الهزاز ؛تفتح له تلفازها ، تعطيه الشكولاته تضع له اسطوانة فيروز ،تقص عليه حكاياتها الطريفة ،وصباح يوم الجمعة الأخير من الشهر تصحبه معها الى إحدى الحدائق تدخله معها السينما ، يسيران على شاطىء النيل يأكلان اللب والترمس والذرة المشوية وحمص الشام والفشار ، كان يوم الجمعة معها بألف يوم ، مرة واحدة فقط استطعت أن أنتزع من زملائى لقب الأول ، كنت دائما أحلم بأن أدخل عالمها الذى سمعت عنه من الذين سبقونى ، يومها كانت عيناى معلقة بعينها ،كان انبهارى بتفاصيل اليوم يسبق خطواتى وكلامى معها .

ذات صباح .. دق جرس حصتها ، لم تدخل من باب الفصل ، لم تغمرنا ابتسامتها الأولى ، لم تلامس وجوهنا قبلتها الهوائية .. توترنا كلنا ، خرج رئيس الفصل يستطلع الأمر ، اصطدم بلوحة الإعلانات .. كانت تتشح بالسواد ، بعض الصمت وبعض البكاء يختلطان فى الأروقة ، عاد إلينا باكياً ، بكينا كلنا ، وسرعان ما أفقنا وابتدأنا حصتها ، كان الجميع مبهورين بالخارج ، كانوا يسمعون صوتها معنا داخل الفصل!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق