* سجين في حالة سراح *
أنا الآن حرّ ..
أنا الآن سجين ..
أجوب الشّوارع ليلا نهارا
لاهث الأنفاس
أكاد أختنق
ألوك طعم المأساة
وجهي عابس تثقله التجاعيد
جسدي مثقل بقيود و سلاسل
قدماي داميتان حافيتان
لا حذاء لي أنتعله
يقيني من الأشواك
التي نثروها في طرقات
كانت في الماضي كالمرايا ..
عيناي دامعتان
خيالات الفقر والبؤس
تسكنهما.. تنبعث منها
تنهيدات عميقة تهزّني
كأنّ جسدي معلّقا
بين أرض و سماء
لا أملك منهما شيء
كلّما أوغلت في السير
يحاصرني السّواد
كلّما طرقت باب
يرّد عليّ الخراب
أتعجّب لحال بلادي
كيف أصبح ..!؟
كيف أمسى ..!؟
يفيض الدمع في أعماقي
يمحو كثيرا من التفاصيل الجميلة
تفاصيل ظلّت عالقة بذاكرتي منذ صغري
أتوقّف بين الفينة والأخرى
أسند ظهري لعمود الكهرباء
أتطلّع فيه .. إنّه لايضيء
أحاول فهم حال عقمه
أحاول فهم أسباب سجني
يلفّني الغموض
سجين أنا .. كأنّي حرّ ..
حرّ أنا .. كأنّي سجين ..
إلى متى سأظلّ أجهل أسباب سجني !؟
إلى متى سأظلّ كاظم الغيض !؟
أتفرّج على ألعابهم المقيتة
و أفعالهم المتعجرفة المميتة
و هم يقتلون كلّ شيء جميل فينا
بلد داسوا على تاريخه
بسفاسفهم البالية النتنة
حوّلوه إلى سجن كبير
يحاولون تجريدنا من مواطنة
يحاولون أن ينسونا
حلاوة الحياة فيه
كل شيء مبهم
لا شيء في الأفق
لا شيء في الطريق
طلاسم يوحي بالقتامة
شوارع أوّلها شكّ ..
و آخرها سراب ..
نعيق الغربان يملأ البلاد
يمزّق كل ما هوّ جميل بخيالي
ميّت أنا.. كأنّي حيّ ..
حيّ أنا .. كأنّي ميّت ..
و السجن هو السجن
داخله مثل خارجه
و البلاد هيّ البلاد
نحبّها حتّى النّخاع
و العباد غير العباد
والبرج العاجي تسكنه الرّعاة
يشربون دمنا و يأكلون لحمنا
و باقي الرّعيّة خاوية بطونهم
فقراء .. حفاة .. عراة
أحبّك ملء حياتي أيّتها البلاد
و كم تبخترت فيك محبّا
كم قبّلت الأمل المشرق في ربوعك
كم سرت عاشقا في أحضانك
كم... و كم .. و كم ..
لكنّهم لماذا هم يسجنونني دائما ؟
سؤال ضاق به صدري
لم ٱجد له إجابة ..!
لكنّهم حتما فاشون
لأنّي مهما تشرّدت ..
شرقا و و غربا ..
شمالا و جنوبا ..
لن أنحني رأسي ايجابا
لن أطأطأه إنكسارا
و سأظلّ أحبّك أيّتها الخضراء
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق